الاستقامة (وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ) هذه الآية نص في نزول الملك على الأولياء ، وأن نزول الملك ليس من خصائص النبوة فقط ، فإن الله قال في أهل الاستقامة القائلين بربوبية الله إن الملائكة تنزل عليهم بالبشرى من الله بأنهم من أهل السعادة والفوز وبالأمان ، كل ذلك في الحياة الدنيا ، ومن هنا تنزل الأملاك على قلوب الأولياء ، وفيه أقول :
إذا نزل الروح الأمين على قلبي |
|
تضعضع تركيبي وحنّ إلى الغيب |
فأودعني منه علوما تقدست |
|
عن الحدس والتخمين والظن والريب |
ففصلت الإنسان نوعين إذ رأت |
|
يقوم به الصفو النزيه مع الشوب |
فنوع يرى الأرزاق من صاحب الغيب |
|
ونوع يرى الأرزاق من صاحب الجيب |
فيعبد هذا النوع أسباب ربه |
|
ويعبد هذا خالق المنع والسّيب (١) |
فهذا مع العقل المقدس وصفه |
|
وهذا مع النفس الخسيسة بالعيب |
ولعلك يا ولي ، إذا سمعتني أقول : تنزل الروح الأمين على القلب ، تنكر وتقول : أوحي بعد رسول الله صلىاللهعليهوسلم؟! لا تفعل أعاذنا الله وإياك من وحي كل شيطان غوي ، إنما هو عبارة في العامة عن اللمة الملكية ، وفي الخاصة عن الحديث ، كما ورد في صحيح الحديث ، وفي القديم والحديث ، قال خير البشر : [إن من أمتي محدّثين ، وإن منهم عمر] وقال أيضا عليه الصلاة والسلام في قلب العبد : إنه يتصرف بين لمة الملك ولمة الشيطان ؛ ثم كنّى عن هذا التصريف والتقليب بالإصبعين ، وأضافهما إلى الرحمن ؛ فما زالت الملائكة تتعاهد القلوب ، بأسرار الغيوب ، وهي التي تأمرك بالطاعة ، والتزام السنّة والجماعة ، حين تأمرك الشياطين بلمتها ، فإن لم تسمع لها ، أمرتك بالتسويف أو الموافقة ، وتتنوع تنزلات الغيوب ، بتنوع استعدادات القلوب ، ولا تظن أيها الخليل ، أنني أعني بالروح الأمين جبريل ، فإن الملائكة كلهم أرواح أمناء على ما أودعها الله من أصناف العلوم الموقوفة على التوصيل ، تارة بالإجمال وتارة بالتفصيل ، ولابد أن يكون صاحب التنزلات الغيبية عارفا بالمتنزلات وأصنافها (الخواطر وأجناسها) ، وعالما بالروائح وأنفاسها ، فلا يتصور إنكار بعد ما قررناه من اللمة والحديث ، إلا من معاند خبيث ، متعنا الله وإياكم بنتائج الأذكار ،
__________________
(١) السيب : العطاء.