تسويتك وتعديلك لكل صورة ما ثبت قوله (فِي أَيِّ صُورَةٍ ما شاءَ رَكَّبَكَ) ووجه آخر ـ (فِي أَيِّ صُورَةٍ ما شاءَ رَكَّبَكَ) إذا سوى الله الصور الجسمية ، إن شاء ركبك في صورة الكمال فيجعلك خليفة عنه في العالم ، أو في صورة الحيوان فتكون من جملة الحيوان بفصلك المقوم لذاتك ، الذي لا يكون إلا لمن ينطلق عليه اسم الإنسان ، فالصورة الجسمية في أي صورة ما شاء من الصور الروحية ركبها ، إن شاء في صورة خنزير ، أو كلب ، أو إنسان ، أو فرس ، على ما قدّره العزيز العليم ، فثمّ شخص الغالب عليه البلادة والبهيمية ، فروحه روح حمار وبه يدعى إذا ظهر حكم ذلك الروح ، فيقال : فلان حمار ، وكذلك كل صفة تدعى إلى كتابها ، فيقال : فلان كلب ، وفلان أسد ، وفلان إنسان ، وهو أكمل الصفات ، وأكمل الأرواح ، فقوله تعالى (الَّذِي خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ فَعَدَلَكَ) وتمت النشأة الظاهرة للبصر (فِي أَيِّ صُورَةٍ ما شاءَ رَكَّبَكَ) من صور الأرواح فتنسب إليها كما ذكرنا ، وقرن التركيب بالمشيئة ، فالظاهر أنه لو اقتضى المزاج روحا معينا خاصا ما قال (فِي أَيِّ صُورَةٍ ما شاءَ) وأي حرف نكرة ، مثل حرف ما ، فإنه حرف يقع على كل شيء ، فأبان لك أن المزاج لا يطلب صورة بعينها ، ولكن بعد حصولها تحتاج إلى هذا المزاج وترجع به ، فإنه بما فيه من القوى التي لا تدبره إلا بها ، فإنه بقواه لها كالآلات لصانع النجارة أو البناء مثلا إذا هيئت وأتقنت وفرغ منها ، تطلب بذاتها وحالها صانعا يعمل بها ما صنعت له ، وما تعيّن ، زيدا ، لا عمروا ولا خالدا ولا واحدا بعينه ، فإذا جاء من جاء من أهل الصنعة مكّنته الآلة من نفسها تمكينا ذاتيا ، لا تتصف بالاختيار فيه ، فجعل يعمل بها صنعته بصرف كلّ آلة لما هيئت له ، فمنها مكمّلة وهي المخلّقة يعني التامة الخلقة ، ومنها غير مكمّلة وهي غير المخلّقة ، فينقص العامل من العمل على قدر ما نقص من جودة الآلة ، وذلك ليعلم أنّ الكمال الذاتي لله سبحانه ، فأجمل خلق النفس الناطقة الذي هو بها إنسان في هذه الآية ، وبيّن لك الحق مرتبة جسدك بقوله (الَّذِي خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ فَعَدَلَكَ) ، وروحك بقوله (فِي أَيِّ صُورَةٍ ما شاءَ رَكَّبَكَ) ، لتنظر وتتفكر فتعتبر أن الله ما خلقك سدى ، وإن طال المدى.
(كَلَّا بَلْ تُكَذِّبُونَ بِالدِّينِ (٩) وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ) (١٠)
ليس هؤلاء من حفظة الوجود ، وإنما هؤلاء هم المراقبون أفعال العباد.