الران هو صدأ وطخاء ، وليس إلا ما تجلى في مرآة القلب من صور ما لم يدعه الله إلى رؤيتها ، وجلاؤها من ذلك بالذكر والتلاوة ، فمن كان على قلبه ران فإن الله قد حال بينه وبين الفهم عن الله تعالى وإن تأوله ، ولهذا يتخذ آيات الله هزوا ودينه لهوا ولعبا ، لعدم فهمه عن الله ما خاطب به عباده.
(كَلَّا إِنَّهُمْ عَن رَّبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَّمَحْجُوبُونَ) (١٥)
قال تعالى ذلك في معرض الذم ، فأهل النار محجوبون عن ربهم ، والرب هو المربي والمصلح ، فالحق لا يتجلى لأهل الشقاء في اسم الرب المضاف إليهم ، لا في إطلاق الاسم ، فهم في الحجاب في زمان مختص من اسم مضاف خاص بهم ، فلا يمنع تجليه في هذا الاسم الخاص لهم في غير ذلك الزمان ، وفي اسم الرب المطلق وفي غيره من الأسماء ، فقال تعالى (كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ) فأضافه إليهم ، وهي النسبة التي يرجونها منه لم يجدوها ، لأنهم طلبوها من غير جهة ما تكون فيه ، فكانوا كمن يقصد الشرق بنيته وهو يمشي إلى المغرب بجسمه ، ويتخيل أن حركته إلى جهة قصده ، وهو قوله تعالى (وَبَدا لَهُمْ مِنَ اللهِ ما لَمْ يَكُونُوا يَحْتَسِبُونَ) (يَوْمَئِذٍ) فجعله زمانا معينا (لَمَحْجُوبُونَ). ـ الوجه الأول ـ ليعرفوا ذوقا عذاب الحجاب فيزيد في عذابهم ، فإنهم لما استيقظوا من نوم غفلتهم ووصلوا إلى منزل وحطوا عن رحالهم ، طلبوا ما قصدوه ، فقيل لهم : من أول قدم فارقتموه ، فما ازددتم منه إلا بعدا ؛ فيقولون : يا ليتنا نرد ؛ ولا سبيل إلى ذلك ، فلهذا وصفوا بالحجاب عن ربهم الذي قصدوه بالتوجه على غير الطريق الذي شرع لهم ، وذلك قبل انقضاء أجل العذاب وعموم الرحمة الشاملة ، وأما بعد عموم الرحمة فلهم رؤية على قدر ما اتصفوا به في الدنيا من مكارم الأخلاق ـ الوجه الثاني ـ لما كانت الرؤية لأهل الجنان ، جعل الحجاب في مقابلته لأهل النار ، وحجابهم مدة عذابهم حتى لا تزيدهم الرؤية عذابا ، فإذا انقضت المدة بقي الحجاب دونهم مسدلا لينعموا ، فإنه لو تجلى لهم هنالك مع ما تقدم لهم من الإساءة واستحقاق العقوبة ، أورثهم ذلك التجلي الإحساني حياء من الله مما جرى منهم ، والحياء عذاب وقد انقضت مدته ، وهم لا يعلمون لذة الشهود والرؤية ، فلهم نعيم بالحجاب ، والغرض النعيم وقد حصل ولكن بمن؟ فأين النعيم برؤية الله من النعيم بالحجاب؟ فهم عن ربهم يومئذ محجوبون ـ الوجه