إن الإيمان لا يكون إلا بالخبر لا بالعيان ، فليس المؤمن إلا من يؤمن بالغيب وهو الخبر الذي جاء من عند ربه ، فإن الخبر بما هو خبر يقبل الصدق والكذب.
(إِنَّ بَطْشَ رَبِّكَ لَشَدِيدٌ) (١٢)
ليس لله وعيد وبطش مطلق شديد ليس فيه شيء من الرحمة واللطف ، فبطش الله تعالى وإن كان شديدا فإنه للاتساع الإلهي في بطشه رحمة بالمبطوش به ، لأنه تعالى يبطش بمن خلق ، فالرحمة مندرجة في بطشه حيث كان ، وبطشه تعالى لسبق العلم ، يأخذ هذا المبطوش به للسبب الموجب لا غير ، والمنتقم لغيره ما هو كالمنتقم لنفسه.
(إِنَّهُ هُوَ يُبْدِئُ وَيُعِيدُ) (١٣)
فهو تعالى المبدىء ، ولا يزال حكم البدء في كل عين عين من أعيان الممكنات ، فلا يزال المبدىء دائما ، لأنه يحفظ الوجود علينا بما يوجده فينا لبقاء وجودنا مما لا يصح بقاء إلا به ، فهو تعالى في حق كل ما يوجده دائما مبدىء له ، والبدء والإعادة حكمان لله تعالى ، فإنه ما أعاد شيئا بعد ذهابه ، إلا أنه في إيجاده الأمثال عاد إلى الإيجاد ، فهو معيد لا أنه يعيد عين ما ذهب فإنه لا يكون ، لأنه أوسع من ذلك ، فهو المعيد للحال الذي كان يوصف به ، فما من موجود يوجده الحق إلا وقد فرغ من إيجاده ، ثم ينظر ذلك الموجود إلى الله تعالى قد عاد إلى إيجاد عين أخرى ، هكذا دائما أبدا ، فهو المبدىء المعيد ، المبدىء لكل شيء والمعيد لشأنه ، فهو يبدىء كل شيء خلقا ، ثم يعيده أي يرجع الحكم إليه بأن يخلق.
(وَهُوَ الْغَفُورُ الْوَدُودُ) (١٤)
الودود أي الثابت المحبة ، فلم يزل يحبنا فلم يزل ودودا ، وكيف لا يحب الصانع صنعته؟ ونحن مصنوعاته بلا شك ، فإنه خالقنا وخالق أرزاقنا ومصالحنا ، فهو يوجد دائما في حقنا ، فهو كل يوم في شأن ، ولا معنى للوداد إلا هذا ، فهو تعالى الثابت المحبة في غيبه ، فإنه عزوجل يرانا فيرى محبوبه فله الابتهاج به ، والعالم كله إنسان واحد هو المحبوب ، وأشخاص