الملائكة الرحمة ، وسكتت عن ذكر العصاة في دعائها ، فإن الله وسع كل شيء رحمة وعلما ، وهو القائل (وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ) ولم يجر للغضب ذكر في هذه السعة الإلهية والرحمانية ، فلابد من مآل العالم إلى الرحمة ، لأنه لابد للعالم من الرجوع إلى الله ، فإنه القائل (وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الْأَمْرُ كُلُّهُ) فإذا انتهت رجعته إليه عاد الأمر إلى البدء والمبدأ والمبدي ، والمبدأ رحمة وسعت كل شيء ، والمبدىء وسع كل شيء رحمة وعلما ، فعرف الأمر في عوده في الرحمة ، فيأمن من تسرمد العذاب على خلق الله ، فمن علم سعة الله علم سعة رحمته فلم يدخلها تحت الحجر ولا قصرها على موجود دون موجود ، فمنتهى علمه سبحانه منتهى رحمته فيمن يقبل الرحمة ، وكل ما سوى الله قابل لها بلا شك ، ولو لا سبق الرحمة الشاملة العامة الامتنانية لتسرمد العذاب على من ينفي رحمة الله من هذه السعة التي ذكر الله فيها ، ولكن سبق الرحمة جعله أن يبدو له من الله من الرحمة به مع هذا الاعتقاد ما لم يكن يحتسبه ، فما آخذه الله بجهله ، لأنه صاحب شبهة في فهمه ، فعين بصيرته مطموس ، وعقله في قيد جهله محبوس ، ثم دعت الملائكة لمن تاب من المؤمنين بقولهم : «ربنا (فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تابُوا وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ) فصرحوا بذكرهم لما كان هؤلاء قد قاموا في مقام القرب الإلهي بالتوبة ، وقرعوا بابها في رجعتهم إلى الله ، والملائكة حجبة الحق ، فطلبوا من الله المغفرة لهم لما اتصفوا بالتوبة ، فقدموا الدعاء بالمغفرة للذين تابوا واتبعوا سبيل الله ، والله يقول : (ما عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ) وأي إحسان أعظم ممن تاب واتبع سبيله. ثم إن الملائكة لما عرفت أن بين الجنة والنار منزلة متوسطة وهي الأعراف ، فمن كان في هذه المنزلة ما هو في النار ولا في الجنة ، وعلمت من لطف الله بعباده أنه يجيب دعوة الداعي إذا دعاه ، فقالت : (وَقِهِمْ عَذابَ الْجَحِيمِ) فالملائكة أهل علم وأدب ، فإنهم علموا أصل الأدب الإلهي الذي طلبه الحق من عباده ، فوقفوا على مقصود الحق من خلقه الخلق ، وهو إنما خلق الخلق له تعالى ، وإنه أعطى كل شيء خلقه ، فما أعطاه إلا ما يصلح أن يكون له تعالى ، ولو لم يكن الأمر كما وقع لتعطل من الحضرة الإلهية أسماء كثيرة لا يظهر لها حكم ، قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : [لو لم تذنبوا لجاء الله بقوم يذنبون ، فيستغفرون فيغفر الله لهم] فنبه أن كل أمر يقع في العالم إنما هو لإظهار حكم اسم إلهي ، ثم قالت الملائكة.
(رَبَّنَا وَأَدْخِلْهُمْ جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدتَّهُم وَمَن صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ