تأديبي] فينبغي لنا أن نتبع الآداب الإلهية التي أدب الله سبحانه بها أنبياءه ، فإن الحائر إذا سأل يسأل إما بحاله وإما بقوله ، والعالم بما حار فيه يجب عليه أن يبيّن له ما حار فيه ، فإن كان المسئول فيه مما تكون حقيقته الحيرة فيه أبان له هذا العالم أن العلم به أنّه يحار فيه ، فأزال عنه الحيرة في الحيرة ، وإن كانت من العلوم التي إذا بينت زالت الحيرة فيه وبان بيان الصبح لذي عينين أبانه له فعلمه ، فأزال عنه الحيرة ، ولا يرده ، ولا يقول له : ليس هذا عشك فادرج ، ولا سألت ما لا يعطيه مقامك ، فإن الإنسان إذا قال مثل هذا القول لمن سأله عن علم ما فليس بعالم ، وهو جاهل المسئلة وبالوجه الذي ينبغي من هذه المسألة أن يقابل به هذا السائل ، والعلم وسوء الخلق لا يجتمعان في موفق ، فكل عالم فهو واسع المغفرة والرحمة ، وسوء الخلق إنما هو من الضيق والحرج ، وأما إذا كان السؤال خطأ فلا يلزم الجواب عنه ، فإن سأل سائل ذو وهم : متى كان وجود العالم من وجود الحق؟ قلنا : متى سؤال زماني ، والزمان من عالم النسب ، وهو مخلوق لله تعالى ، لأن عالم النسب له خلق التقدير لا الإيجاد ، فهذا سؤال باطل ، فانظر كيف تسأل فنهى الله نبيه عن انتهار سائل العلم ، تعليما لنا ، فقال (وَأَمَّا السَّائِلَ فَلا تَنْهَرْ) لأنه قال له (وَوَجَدَكَ ضَالًّا فَهَدى) أي حائرا (ما كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتابُ وَلَا الْإِيمانُ) وقد ورد في الخبر [استوصوا بطالب العلم خيرا ، ومن سئل عن علم فكتمه ألجمه الله بلجام من نار] ، ومن هذه الآية كان سؤال الرجل السلطان أولى من سؤال غير السلطان ، لأن وجود الحق أظهر فيه من غيره من السوقة والعامة ، ولهذا رفعت الكدية عن الذين يسألون الملوك ، فإنهم نواب الله ، وهم موضع حاجة الخلق ، وهم المأمورون أن لا ينهروا السائل ، يقول الله لنبيه صلىاللهعليهوسلم وهو النائب الأكبر (وَأَمَّا السَّائِلَ فَلا تَنْهَرْ) ولهذا يسأل الله تعالى يوم القيامة النواب وهم الرعاة عمن استرعاهم عليه ، ويسأل الرعايا ما فعلوا فيهم ، قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم [المسائل كدوح يكدح بها الرجل في وجهه ، فمن شاء أبقى على وجهه ، ومن شاء ترك ، إلا أن يسأل ذا سلطان في أمر لا يجد منه بدا].
(وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ) (١١)
حتى تبلغ القاصي والداني ، لأنه لما كانت النعم محبوبة لذاتها وكان الغالب حب المنعم