الذي (لا يَأْتِيهِ الْباطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ) فتصدقه الكتب المنزلة قبله (وَلا مِنْ خَلْفِهِ) ولا ينزل بعده ما يكذبه ويبطله ، فهو حق ثابت ، وكل تنزل سواه في هذه الأمة وقبلها في الأمم فيمكن أن يأتيه الباطل من بين يديه ، فيعثر صاحبه على آية أو خبر صحيح يبطل له ما كان يعتمد عليه من تنزيله ، ويأتيه من خلفه أي لا يعلم في الوقت بطلانه لكن قد يعلمه فيما بعد ، والأنبياء عليهمالسلام ما قالت على الله ما لم يقل لها ، ولا أخرجت ذلك من نفوسها ، ولا تعملت فيه ، بل جاءت به من عند الله ، كما قال تعالى : (تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ) بما هو حامد بلسان كل حامد وبنفسه ، وبما هو محمود بكل ما هو مثني عليه وعلى نفسه ، فإن عواقب الثناء تعود عليه.
(مَا يُقَالُ لَكَ إِلَّا مَا قَدْ قِيلَ لِلرُّسُلِ مِن قَبْلِكَ إِنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغْفِرَةٍ وَذُو عِقَابٍ أَلِيمٍ (٤٣) وَلَوْ جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا أَعْجَمِيًّا لَّقَالُوا لَوْلَا فُصِّلَتْ آيَاتُهُ أَأَعْجَمِيٌّ وَعَرَبِيٌّ قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدًى وَشِفَاء وَالَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ فِي آذَانِهِمْ وَقْرٌ وَهُوَ عَلَيْهِمْ عَمًى أُوْلَئِكَ يُنَادَوْنَ مِن مَّكَانٍ بَعِيدٍ) (٤٤)
(ءَأَعْجَمِيٌّ وَعَرَبِيٌّ) العجمي بالوضع بالأصل أقدم من العربية ، ويجمعهما الكلام ، والعبارة المعجمة متقدمة (قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدىً) أي بيان (وَشِفاءٌ) والشفاء من الرحمة ، وحضرة الشفاء هي التي تنيل أصحاب الأغراض أغراضهم ، وكونه شفاء فكفاتحة الكتاب وآيات الأدعية كلها.
(وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ فَاخْتُلِفَ فِيهِ وَلَوْلَا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِن رَّبِّكَ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ وَإِنَّهُمْ لَفِي شَكٍّ مِّنْهُ مُرِيبٍ (٤٥) مَنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَاء فَعَلَيْهَا وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِّلْعَبِيدِ) (٤٦)