(فَالَّذِينَ عِنْدَ رَبِّكَ) يعني العلماء بالله من الملائكة (يُسَبِّحُونَ لَهُ بِاللَّيْلِ وَالنَّهارِ) وهم أعلم بالله منكم ، فلو كان ما اتخذتموه من هؤلاء آلهة لكانت الملائكة أولى بالسجود لهن منكم ، لعلمكم أنهم أعلم ، فهم يسجدون لله (وَهُمْ لا يَسْأَمُونَ) لا يملون من غير سآمة ولا فتور ، فإن حقيقة نشأتهم تعطي ذلك ، وهي العبادة الذاتية ، وهي عبادة سارية في كل ما سوى الله ، وقد خلق الله الملائكة وهم عمار السموات والأرض لعبادته ، فما في السماء والأرض موضع إلا وفيه ملك ، ولا يزال الحق يخلق من أنفاس العالم ملائكة ما داموا متنفسين ، فالملائكة يسبحون الليل والنهار لا يفترون في غير ليل ولا نهار وهم لا يسأمون ، فكفى بالبشرية نقصا ـ وفي موضع هذه السجدة خلاف ، فقيل عند قوله : (إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ) وقيل عند قوله : (لا يَسْأَمُونَ) فمن سجدها عند (إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ) جعلها سجدة شرط ، ومن سجدها عند قوله (لا يَسْأَمُونَ) جعلها سجدة نشاط ومحبة ، وهي سجدة الاجتهاد وبذل المجهود فيما ينبغي لجلال الله من التعظيم ، والالتذاذ به.
(وَمِنْ آيَاتِهِ أَنَّكَ تَرَى الْأَرْضَ خَاشِعَةً فَإِذَا أَنزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاء اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ إِنَّ الَّذِي أَحْيَاهَا لَمُحْيِي الْمَوْتَى إِنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (٣٩) إِنَّ الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي آيَاتِنَا لَا يَخْفَوْنَ عَلَيْنَا أَفَمَن يُلْقَى فِي النَّارِ خَيْرٌ أَم مَّن يَأْتِي آمِنًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ) (٤٠)
هذا وعيد ، أي قوله تعالى (اعْمَلُوا ما شِئْتُمْ).
(إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِالذِّكْرِ لَمَّا جَاءهُمْ وَإِنَّهُ لَكِتَابٌ عَزِيزٌ (٤١) لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنزِيلٌ مِّنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ) (٤٢)
(تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ) على من كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد. وانظر ما أحكم القرآن وما فيه من العلوم لمن رزق الفهم فيه ، فإنه الوحي المعصوم المقطوع بصدقه ،