حقيقته ، فإن التحت للعبد لأنه سفل ، ونبّه الشرع على ذلك بحديث الهبوط ، وهو أنا روينا عن رسول الله صلىاللهعليهوسلم أنه قال : [لو دليتم بحبل لهبط على الله] فنسبة التحت والفوق إليه سبحانه على السواء ، لا تحده الجهات ولا تحصره ، وكل أحد إنما يطلب ربه من حقيقته ، ومن حيث هو ، فنسبة العلو والسفل من الله واحدة ، فالعلو لله عرفا وعلما ، والمعية علما وشرعا لا عرفا ، ولما كان السجود في العرف بعدا عما يجب لله من العلو ، أراد الله أن يرى حكمه في الغاية وليس إلا السجود ، فمن سجد اقترب من الله ضرورة ، فيشهده الساجد في علوه ، ولهذا شرع للعبد أن يقول في سجوده [سبحان ربي الأعلى] ينزهه عن تلك الصفة ، ولما كان السجود حال القربة وصفة المقربين قال له : (اسْجُدْ وَاقْتَرِبْ) يعني اقتراب كرامة وبر وتحف ، كما يقول الملك للرجل إذا دخل عليه فحياه بالسجود له بين يديه ، فيقول له الملك : أدنه أدنه ، حتى ينتهي منه حيث يريد من القربة ، فهذا معنى قوله (وَاقْتَرِبْ) في حال السجود ، إعلاما بأنه قد شاهد من سجد له ، وأنه بين يديه ، وهو يقول له : اقترب ؛ ليضاعف له القربة ، كما قال [من تقرب إلي شبرا تقربت منه ذراعا] فإذا كان اقتراب العبد عن أمر إلهي كان أعظم وأتم في بره وإكرامه ، لأنه ممتثل أمر سيده على الكشف والشهود ، ودلّت هذه الآية على أن أول شيء يمنحك السجود هو القربة ، ثم بعد ذلك تعطى من مقام القربة ما يليق بالمقربين من الملائكة والنبيين ، وليس في العبادات ما يلحق العبد بمقامات المقربين ـ وهو أعلى مقام أولياء الله من ملك ورسول ونبي وولي ومؤمن ـ إلا الصلاة ، فإن الله في هذه الحالة يباهي به المقربين من ملائكته ، وذلك أنه يقول لهم : يا ملائكتي أنا قربتكم ابتداء وجعلتكم من خواصّ ملائكتي ، وهذا عبدي جعلت بينه وبين مقام القربة حجبا كثيرة وموانع عظيمة ، من أغراض نفسية وشهوات حسية ، وتدبير أهل ومال وولد وخدم وأصحاب وأهوال عظام ، فقطع كل ذلك وجاهد حتى سجد واقترب فكان من المقربين ، فانظروا ما خصصتكم به يا ملائكتي من شرف المقام حيث ما ابتليتكم بهذه الموانع ولا كلفتكم مشاقها ، فاعرفوا قدر هذا العبد وراعوا له حق ما قاساه في طريقه من أجلي ، فتقول الملائكة : يا ربنا لو كنا ممن يتنعم بالجنان وتكون محلا لإقامتنا ألست كنت تعيّن لنا فيها منازل تقتضيها أعمالنا؟ ربنا نحن نسألك أن تهبها لهذا العبد ، فيعطيه الله ما سألته فيه الملائكة ، فانظروا ما أشرف الصلاة ، وأفضل ما فيها ذكر الله من الأقوال ،