روينا من حديث رسول الله صلىاللهعليهوسلم أنه قال [إنما الأعمال بالنيات وإنما لامرىء ما نوى فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله فهجرته إلى الله ورسوله ومن كانت هجرته لدنيا يصيبها أو امرأة يتزوجها فهجرته إلى ما هاجر إليه] فالنية لجميع الحركات والسكنات من المكلفين للأعمال كالمطر لما تنبته الأرض ، فالنية من حيث ذاتها واحدة وتختلف بالمتعلق وهو المنوي ، فتكون النتيجة بحسب المتعلق به لا بحسبها ، فإن حظ النية إنما هو القصد للفعل أو تركه ، وكون ذلك الفعل حسنا أو قبيحا وخيرا أو شرا ما هو أثر النية ، وإنما هو أمر عارض ميّزه الشارع وعيّنه للمكلف ، فليس للنية أثر البتة من هذا الوجه خاصة ، وإنما النية سبب في ظهور الأعمال الصالحة وغير الصالحة ، وليس لها إلا الإمداد ، وحقيقتها تعطي تعلقها بالمنوي ، وكون ذلك المنوي حسنا أو قبيحا ليس لها ، وإنما ذلك لصاحب الحكم فيه بالحسن والقبح ، فالمخاطب المكلف إن نوى الخير أثمر خيرا ، وإن نوى الشر أثمر شرا ، وما أتي عليه إلا من المحل من طيبه وخبثه ، فالإخلاص هو النية ، فإن فاتتك النية فاتك الخير كله ، فكثير ما بين فاعل بنية القربة إلى الله وبين فاعل بغير هذه النية ، والعبادة عمل وترك ، فالإخلاص مأمور به شرعا (الدِّينَ) وهو ما تعبدهم به (حُنَفاءَ) (وَيُقِيمُوا الصَّلاةَ) فيجب تأخر العبد عن رتبة سيده ، وتخليص عبوديته لله من غيره ، كما أقر له بذلك في قبضة الذرية ، يريد الحق أن يستصحبه ذلك الإقرار في حياته الدنيا موضع الحجاب والستر ، فإن الحق له التقدم على الخلق بالوجود من جميع الوجوه وبالمكانة والرتبة ، فكان ولا مخلوق ، هذا تقدم الوجود ، وقدّر وقضى وحكم وأمضى إمضاء لا يردّ ولا يقضى عليه ، فهذا تقدم الرتبة ، فلا يجتمع الخلق والحق أبدا في وجه من الوجوه ، فالعبد عبد لنفسه ، والرب رب لنفسه ، فأوجب على عباده التأخر عن ربوبيته ، فشرع له الصلاة ليسميه بالمصلي ، وهو المتأخر عن رتبة ربه ، فقال تعالى من باب الإشارة (وَيُقِيمُوا الصَّلاةَ) فمن لزم رتبته منا فما جنى. على نفسه بل أعطى الأمر حقه (وَيُؤْتُوا الزَّكاةَ وَذلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ).
(إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أُوْلَئِكَ هُمْ شَرُّ الْبَرِيَّةِ) (٦)