إليه ، وإن كان ممن له في نفس الأمر حكم واجب على أحد من المخلوقين أضيف إليه الحق ، فقيل : حق اليقين لوجوبه ، فلو كان علم اليقين وعينه وحقه نفس اليقين ما صحت الإضافة ، لأن الشيء الواحد لا يضاف إلى نفسه ، لأن الإضافة لا تكون إلا بين مضاف ومضاف إليه ، فتطلب الكثرة حتى يصح وجودها ، ومن أخذ الأشياء عن عين اليقين اتصف بالعلم اليقيني ، فإن الجاهل قد يتصف بالعلم فيما جهله ولا يتصف باليقين ، ولهذا جاز أن يضاف العلم إلى اليقين ، وليس من إضافة الشيء إلى نفسه ، لا لفظا ولا معنى ، فأما اللفظ فإن لفظة اليقين ، ما هي لفظة العلم ، فجازت الإضافة. ومن طريق المعنى ، إن اليقين عبارة عن استقرار العلم في النفس ، والاستقرار ما هو عين المستقر ، بل الاستقرار صفة للمستقر ، وهي حقيقة معنوية لا نفسية ، فليست عين نفس العلم فجازت الإضاقة ، وإنما قلنا : إن الجاهل قد يتصف بالعلم فيما هو جاهل به ، فهو قوله تعالى : (فَأَعْرِضْ عَنْ مَنْ تَوَلَّى عَنْ ذِكْرِنا وَلَمْ يُرِدْ إِلَّا الْحَياةَ الدُّنْيا ذلِكَ مَبْلَغُهُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اهْتَدى) فذكر أعلم في الصنفين ، ومن لم يفرق بين اليقين والعلم ويقول : إن العلم هو اليقين ، وقد ورد في كتاب الله مضافا ، احتاج إلى طلب وجه في ذلك تصح له به الإضافة ليؤمن بما جاء من عند الله ، فقال : قد يكون المعنى واحدا ويدل عليه لفظان مختلفان ، فيضاف أحد اللفظين إلى الآخر ، فإنهما غيران بلا شك في الصورة ، مع أحدية العين ، هكذا قال أصحاب اللسان ، وهو قول صحيح ، غير أن الإضافة هنا قد تقع في الصورة ، والصورة صورتان ، فإن في ذكر لفظين مختلفين صحة الإضافة لحق اليقين وعلم اليقين وعين اليقين. وإنما احتال من احتال هذه الحيلة لقصور فهمه عما تدل عليه الألفاظ من الموضوعات من المعاني ؛ فلو علم ذلك لعلم أن مدلول لفظة العلم غير مدلول لفظة اليقين ، فقد علمنا علما يقينيا أن في العالم بيتا يسمّى الكعبة ، ببلدة تسمى مكة ، لا يتمكن لأحد الجهل بهذا ، ولا أن يدخله شبهة ، ولا يقدح في دليله دخل ، فاستقر العلم بذلك ، فأضيف إلى اليقين الذي هو الاستقرار أن لله بيتا يسمى الكعبة ، بقرية تسمى مكة ، تحج الناس إليه في كل سنة ، ويطوفون به ، ثم شوهد هذا البيت عند الوصول إليه بالعين المحسوسة ، فاستقر عند النفس بطريق العين كيفيته وهيئته وحاله ، فكان ذلك عين اليقين الذي كان قبل الشهود علم يقين ، وحصل في النفس برؤيته ما لم يكن عندها قبل