من الشارع فلا سبيل إلى الخوض فيه معهم فعلا ، ويتوقف في الحكم في ذلك ، فلا يحكم على من خاض فيه أنه مصيب ولا مخطىء ، وكذلك فيمن ترك الخوض ، إذ لا حكم إلا للشرع فيما يجوز أن يتلفظ به أو لا يتلفظ به ، يكون ذلك طاعة أو غير طاعة ، وأما العلم النافع في ذلك أن نقول : كما أنه سبحانه لا يشبه شيئا كذلك لا تشبهه الأشياء ، وقد قام الدليل العقلي والشرعي على نفي التشبيه وإثبات التنزيه من طريق المعنى ، وما بقي الأمر إلا في إطلاق اللفظ عليه سبحانه ، الذي أباح لنا إطلاقه عليه في القرآن أو على لسان رسوله ، فأما إطلاقه عليه فلا يخلو إما أن يكون العبد مأمورا بذلك الإطلاق ، فيكون إطلاقه طاعة فرضا ، ويكون المتلفظ به مأجورا مطيعا ، وإما أن يكون مخيرا فيكون بحسب ما يقصده المتلفظ ، وبحسب حكم الله فيه ، وإذا أطلقناه فلا يخلو الإنسان إما أن يطلقه ويصحب نفسه في ذلك الإطلاق المعنى المفهوم في الوضع بذلك اللسان ، أو لا يطلقه إلا تعبدا شرعيا على مراد الله فيه ، من غير أن يتصور المعنى الذي وضع له في ذلك اللسان ، كالفارسي الذي لا يعلم اللسان العربي وهو يتلو القرآن ولا يعقل معناه وله أجر التلاوة ، كذلك العربي فيما تشابه من القرآن والسنة ، يتلوه أو يذكر ربه به تعبدا شرعيا على مراد الله فيه ، من غير ميل إلى جانب بعينه مخصوص ، فإن التنزيه ونفي التشبيه يطلبه ، فالأسلم والأولى في حق العبد أن يرد علم ذلك إلى الله في إرادته إطلاق تلك الألفاظ عليه ، ومن ذلك أن الحق تعالى لا يتقيد وجوده مع وجود العالم بقبلية ولا معية ولا بعدية زمانية ، فإن التقدم الزماني والمكاني في حق الله ترمي به الحقائق في وجه القائل به على التحديد ، اللهم إلا إن قال به من باب التوصيل ، كما قاله الرسول صلىاللهعليهوسلم ونطق به الكتاب ، فإذا تقرر ذلك لم يبق لنا أن نقول : إلا أنّ الحق تعالى موجود بذاته لذاته ، مطلق الوجود ، غير مقيد بغيره ، ولا معلول عن شيء ، ولا علة لشيء ، بل هو خالق المعلولات والعلل ، والملك القدوس الذي لم يزل ، والعالم موجود بالله تعالى لا بنفسه ، ولا لنفسه ، مقيد الوجود بوجود الحق في ذاته ، فلا يصح وجود العالم البتة إلا بوجود الحق ، وإذا انتفى الزمان عن وجود الحق وعن وجود مبدأ العالم ، فقد وجد العالم في غير زمان ، فلا نقول من جهة ما هو الأمر عليه : إن الله موجود قبل العالم ، إذ قد ثبت أن القبل من صيغ الزمان ولا زمان ، ولا إن العالم موجود بعد الحق ، إذ لا بعدية ، ولا مع وجود الحق فإن الحق هو الذي أوجده ، وهو فاعله ومخترعه