الأخرى ، ووجوه العالم في خروجه من العدم إلى الوجود كثيرة تطلب تلك الأسماء ، أعني المسميات ، وإن كانت العين واحدة ، كما أن العالم من حيث هو عالم واحد ، وهو كثير بالأحكام والأشخاص (اللهُ يَجْتَبِي إِلَيْهِ مَنْ يَشاءُ وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ يُنِيبُ) فما ذكر لشقي هنا نعتا ولا حالا ، بل ذكر الأمر بين اجتباء وهداية ، فمن علم الهداية والاجتباء علم ما جاءت به الأنبياء ، وكلا الأمرين إليه ، فمن اجتباه إليه جاء به إليه ولم يكله إلى نفسه ، ومن هداه إليه أبان له الطريق الموصلة إليه ليسعده ، وتركه ورأيه ، فإما شاكرا وإما كفورا ، فلما لم يذكر الحق في هذه الآية العامة للشقاء اسما ولا عينا ، وذكر الاجتباء والهداية ، وهو البيان ، وجعل الأمرين إليه ، علمنا أن الحكم للرحمة التي وسعت كل شيء ، وما ذكر في المشرك إلا كون هذا الذي دعي إليه كبر عليه ، لأنه دعي من وجه واحد ، وهو يشهد الكثرة من وجوده ، فما فهم عن الله مراد الله بذلك الخطاب ، فإنه تعالى جمع ووحد ، فقال : إني وإنا وأنا ، ولهذا كبر على المشركين ، فإن معقول نحن ما هو معقول إني ، وجاء الخطاب بإليه فوحد وما رأوا للجمع عينا ، فكبر ذلك عليهم ، فلما علم الحق أن ذلك كبر عليه رفق به وجعل الأمر إليه تعالى بين اجتباء وهداية ، ووحد بإليه في الأمرين رفقا به وأنسا له ، ليعلم أنه الغفور الرحيم بالمسرفين على أنفسهم ، ومن هذه الآية نعلم أن اتخاذ الإمام واجب شرعا مع كونه موجودا في فطرة العالم ، أعني طلب نصب الإمام ، فقد أمر الله تعالى بإقامة الدين بلا شك ، ولا سبيل إلى إقامته إلا بوجود الأمان في أنفس الناس على أنفسهم ، وأموالهم وأهليهم من تعدي بعضهم على بعض ، وذلك لا يكون أبدا ما لم يكن ثمّ من تخاف سطوته وترجى رحمته ، يرجع أمرهم إليه ويجتمعون عليه ، فإذا تفرغت قلوبهم من الخوف الذي كانوا يخافونه على أموالهم ونفوسهم وأهليهم ، تفرغوا إلى إقامة الدين الذي أوجب الله عليهم إقامته ، وما لا يتوصل إلى الواجب إلا به فهو واجب ، فاتخاذ الإمام واجب ، ويجب أن يكون واحدا لئلا يختلفا ، فيؤدي إلى امتناع وقوع المصلحة وإلى الفساد.
(وَمَا تَفَرَّقُوا إِلَّا مِن بَعْدِ مَا جَاءهُمُ الْعِلْمُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ وَلَوْلَا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِن رَّبِّكَ إِلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى لَّقُضِيَ بَيْنَهُمْ وَإِنَّ الَّذِينَ أُورِثُوا الْكِتَابَ مِن بَعْدِهِمْ