وعوارضها ومعروضاتها وما لها في نفسها وما لها بالقياس إلى غيرها ـ ، وقد صرّح بذلك جمع من المحقّقين منهم المحقّق الطوسى ـ رحمة الله عليه ـ في شرح رسالة العلم (١) ؛ وأنّي يحصل ذلك لأحد؟! لتوقّفه على العلم بعلّة تلك العلّة وعلّة علّتها وهكذا ، فامّا يلزم التسلسل أو الانتهاء إلى ما لا علّة له ، أو ما لا يعلم من جهة علّته فلا يعلم على الوجه التامّ. وإذا لم يعلم الموقوف عليه على الوجه التامّ فلا يعلم الموقوف أيضا على الوجه التامّ. على انّ الشيخين ـ : الفارابي وابن سينا ـ صرّحا بانّه لا يمكن للبشر أن يعلم شيئا بحقيقته ؛ قال الفارابى في تعليقاته : الوقوف على حقائق / ٢٢MB / الاشياء ليس في قدرة البشر ونحن لا نعرف من الأشياء إلاّ الخواصّ واللوازم والاعراض (٢). وبمثله صرّح الشيخ في رسالة الحدود واطال الكلام فيه بما لا مزيد عليه (٣).
وبه يظهر فساد قول من زعم من المتكلّمين انّه يمكن تحصيل العلم بالحقائق بل وقوعه حتّى (٤) بحقيقة الله ـ تعالى ـ ، وكيف يمكن ذلك والقول به بعد اقرار سيّد الرسل ـ صلىاللهعليهوآلهوسلم ـ بالعجز عن حقّ المعرفة (٥)؟!. هذا كلّه ؛ مع انّه لو امكن العلم بالعلّة بحقيقتها وجميع لوازمها وكان ذلك موجبا للعلم التامّ بالمعلول بحقيقته ولوازمه وملزوماته كان ذلك موجبا للعلم التامّ بالعلّة والفرق بينهما تحكّم.
قيل : العلم بالعلّة يفيد العلم بخصوصية المعلول وذاته المعينة المخصوصة ، وامّا العلم بالمعلول فلا يفيد العلم بالعلّة المعينة المخصوصة ، بل يفيد العلم بعلّة ما ، لأنّه لامكانه وتساوي الطرفين إلى مهيته محتاج إلى علّة من العلل ، فالعلم به يوجب العلم بعلّة ما. فالبرهان الإنّي من حيث اعتباره استدلالا من المعلول على علّة ما يفيد اليقين ومن حيث اعتباره استدلالا على العلّة المعينة فلا يفيد اليقين ، فهنا علم نظري
__________________
(١) راجع : رسالة شرح مسئلة العلم ، ص ٤٢.
(٢) راجع : التعليقات ، ص ٤٠.
(٣) راجع : رسالة الحدود ، ص ١ ، حيث يقول الشيخ : ... فاستعفيت من ذلك علما بانّه كالأمر المتعذّر على البشر ...
(٤) الاصل : ـ حتّى.
(٥) اشارة إلى قول النبي ـ ٦ ـ : ما عرفناك حقّ معرفتك. راجع : بحار الأنوار ، ج ٦٩ ، ص ٢٩٢ ، ج ٧١ ، ص ٢٣. وانظر : شرح القيصري على فصوص الحكم ـ الطبعة الحجرية ـ ، المقدّمات ، ص ٥ ، القائمة ٢.