أعني : الترجيح بلا مرجّح ـ لا دخل له بما نحن فيه.
وبما ذكر يندفع ما ذكره بعض الأعلام : انّ دليل الأشعري على عدم احتياج الحادث إلى غير الإرادة ـ أعني : قوله : إن كان تاثيره تعالى في العالم محتاجا إلى مرجّح غير الإرادة لزم قدم العالم أو التسلسل في الحوادث ، وكلاهما محال ـ لا ينفي الايجاب اصلا لا برهانيا ولا الزاميا ؛ أمّا الأوّل : فلأنّ الترجيح بلا مرجّح لمّا كان جائزا عند الأشعري ، فلو كان الفاعل موجبا والفعل حادثا لا يلزم التوقّف على شرط حادث عنده ؛ وأمّا الثاني : فلأنّ التسلسل في الحوادث غير ممتنع عند الحكيم ؛ انتهى.
ووجه / ٥٨MB / الاندفاع : انّ جواز الترجيح بلا مرجّح عند الأشعري انّما هو للفاعل المختار دون الموجب ، ففي صورة الايجاب إذا كان العالم حادثا لزم التسلسل / ٥٥DA / في الحوادث البتة ، والحكيم قائل بتوقّف الحادث على الشروط المتسلسلة ؛ فتكون هذه المقدمة ـ أعني : لزوم التسلسل ـ الزامية ، لأنّ الأشعري ليس قائلا به ، لأنّ الحكيم قائل بجواز التسلسل في الحوادث أيضا والاشعري قائل ببطلانه ، فتكون إحدى مقدمتى هذا الدليل (١) جدلية وأخراهما برهانية ، وسيأتي انّ الدليل إذا كان بعض مقدّماته جدليا وبعضها برهانيا يمكن أن يكون جدليا وبرهانيا ؛ هذا.
وأورد على هذا التفصيل الّذي ذكرناه ـ أعني : ورود المعارضة على المعتزلة وعدم ورودها على الاشاعرة ـ ايرادان :
الأوّل : انّ المعارضة لا ترد على المعتزلة ، إذ لهم أن يقولوا على تقدير عدم كون تأثيره ـ تعالى ـ في العالم بالايجاب بل بالاختيار : لزوم الترجيح بلا مرجّح ممنوع ، لجواز وجود المرجّح وهو علم الفاعل بالمصلحة في ترجيح ايجاد العالم في وقت حدوثه ، فتوقّف الايجاد على هذا التقدير على شرط ممنوع. ومثل هذا المنع لا يتوجّه على أصل الدليل ، إذ محصّله انّ تأثير الواجب ـ تعالى ـ في ايجاد العالم إن كان بالايجاب الّذي زعمه الحكماء وكان العالم حادثا لتوقّف التأثير على شرط بلا شبهة. والحاصل انّ منع التوقّف على الشرط على تقدير كون الفاعل مختارا له وجه صحيح ، وأمّا على تقدير
__________________
(١) الاصل : ـ هذا الدليل.