فان قيل : نحن لا نستند اختلاف الأفعال إلى المهيات ليلزم ما ذكره ، بل نستندها إلى الاختلاف في الوجودات ، فانّ الوجودات الخاصّة إمّا مختلفة بالحقيقة وبأنفسها ـ كما هو مذهب الحكماء ـ أو بالتشكيك ـ كما هو مذهب جماعة ـ ، فاختلاف الوجودات هو الباعث لاختلاف الافعال واختلاف ما يقع في النفوس من المرجّحات ؛
قلت : اختلاف الوجودات مستندة إلى الله ـ تعالى ـ ، لأنّ كلّ وجود بنحوه وبشخصه مستند إلى الواجب الحقّ وليست في أفراد الوجودات جهة تكون مستندة إلى ذات الممكن وهو ظاهر ، فيلزم الجبر.
وثانيهما : انّه يوجب / ٧١MB / الجبر أيضا ، لأنّ الماهية إذا كانت مقتضية لأمر من دون اقتدار العبد على خلافه فما تقصير العبد؟! ، وأيّ اختيار يبقى له حينئذ؟! ، وأيّ فائدة في التكليف حينئذ؟!.
فان قيل : ذلك لا ينفى اختياره ، لأنّه بالنظر إلى ذاته يتمكّن من الفعل والترك إلاّ أنّه يختار أحد الطرفين البتة وهو الّذي تناسبه مهيته ولا يختار الطرف الآخر ، كما أنّ الواجب ـ تعالى مثلا ـ قادر على الكذب إلاّ أنّه لا يكذّب البتة لعدم مناسبة ذاته له ، فهو بالنسبة إلى الفعل والترك مختار. إلاّ أنّ اختيار أحد الطرفين واجب والوجوب بالاختيار لا ينافي الاختيار ؛
قلنا : بالنظر إلى مهيته إن جاز الفعل والترك فوجوب أحد الطرفين لا معنى له ، لأنّ المفروض قطع النظر عن المرجّحات الخارجية وثبوت الوجوب بمجرّد النظر إلى الماهية ؛ وان لم يجز فلا معنى للامكان بالنظر إلى الذات والماهية. على أنّه مع فرض الوجوب لا تبقى للتكليف فائدة ، لأنّ كلّ ماهية تفعل مقتضاها ، فالقول بأنّ فائدته ابراز لوازم المهيات ـ لأنّها بدونه لا يظهر مقتضاها ، فانّ ايمان سلمان وكفر أبي جهل انّما يظهر بعد دعوة النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم ـ لا يخفى ما فيه.
وبما ذكر تعلم أنّ استناد الأفعال إلى المهيات مستلزم لفساد التفويض والجبر كليهما.
وممّا يدلّ على بطلان استناد الأفعال إلى ماهية العبد وذاته واستقلاله في