لا شكّ في حال العدم يمكن كونه مقدورا بأن يجعله موجودا بدل كونه معدوما ، وهذا الامكان كاف في عدم كونه تكليفا بما لا يطاق. والحاصل : انّ للأشعري أن يقول : انّا لا نسلّم أنّ التكليف نقيض فعليّة القدرة ، بل يكفى امكانه ، وهي ممكنة في حال العدم وان لم يتمكّن بشرط العدم ، انتهى.
ووجه ضعفه واندفاعه قد ظهر ممّا ذكرناه في غاية الظهور ؛ فلا نطيل الكلام باعادته.
وعلى ما حقّقناه وقرّرناه لا ريب في ورود ما أورده بعض الفضلاء على الدفع المذكور من انّه لو لم يتعلّق التكليف الاّ بما هو مقدور على تقدير وجوده ، يلزم على تقدير استمرار الكافر وموته على الكفر وقوع تكليف غير القادر ؛ وهو باطل بالإجماع.
بيان اللزوم : انّه لو كان حصول القدرة من الكافر على فعل الايمان حين اتصافه بالايمان ـ الّذي لم يحصل له قطّ ـ يلزم أن يكون مكلّفا بما لا يكون موصوفا بالمقدورية ، وما هو إلاّ / ٨٥MB / التكليف بما لا يطاق. وهو واقع ، لكون الكافر مكلّفا. وليس للأشاعرة أن يقولوا : يكفي في عدم وقوع التكليف بما لا يطاق في الصورة المذكورة إن فعل الايمان ممّا لو صدر عن الكافر لكان مقرونا بالقدرة ، لأنّه بناء على هذه الشرطية ينبغي أن لا يكون الكافر مكلّفا إلاّ حين حصول الفعل المقدور ، لا وقت عدمه ؛ إذ لو كان في جميع مدّة عدم فعل المكلّف به ـ أي : الايمان ـ مكلّفا بالاتيان به لكان مكلّفا بما لا يقدر عليه. ومثله مثل أن يقال لزيد : انت مكلّف بالطيران إلى السماء ، ولو طرت لكان لك جناح! ؛ ومع هذا لم يسقط عنه التكليف ولم يحصل له الجناح اصلا. ولا ريب في أنّه تكليف بما لا يطاق!.
ثمّ انّه أورد على ما ذكر في العلاوة أيضا : بأنّ تكليف الفاعل حال الفعل بتحصيل ذلك الفعل الحاصل بذلك التحصيل وإن لم يكن محالا لكن لا طائل تحته.
وأجيب عنه : بأنّه يكفى في فائدته كونه سببا لذلك التحصيل ، فانّه اثره ، ففائدة استمرار التكليف حينئذ أنّه سبب للايمان والسبب تحت وجوده حال وجود المسبب