ثمّ بعد اثبات ما ذهبوا / ٩٢DA / إليه من نفي التأثير عن غيره ـ تعالى ـ إنّما يثبت مجرّد انّ كلّما هو مقدور للغير مقدور له ـ تعالى ـ ولا يثبت مقدورية كلّ ممكن له ـ تعالى ـ ، وقد عرفت انّ عموم القدرة يتوقّف على ذلك ؛ هذا.
وقد استدلّ بعض المشاهير على عموم القدرة : بأنّ امكان الصدور عن الغير بالارادة علّة للمقدورية ، إذ الشيء الّذي لم يتّصف بامكان الصدور عن الغير بالارادة لم يتّصف بالمقدورية ، وما اتصف به اتّصف بها وثبت بينهما التلازم المفيد للعلّية المثبتة للمطلوب. بل هو يكفي لاثبات المطلوب وإن لم يفد العلّية بالمعنى المعروف ، فانّ مرادنا بالعلّية ما يتناول مثل التلازم ، فلا يرد انّه لا يلزم ممّا ذكر إلاّ التلازم بين امكان الصدور عن الغير بالارادة والمقدورية ، وهو لا يفيد علّية لها لجواز أن يكونا معلولي علّة ثالثة. والظاهر انّ امكان الصدور عن الغير بالارادة هو المقدورية ، والفرق بينهما بالاجمال والتفصيل كالفرق بين الانسان والحيوان الناطق. فالمراد بالعلّية هاهنا ينبغي أن يكون علّية الحكم ـ كما يقال : علّة انسانية زيد إنّما هي كونه حيوانا ناطقا ـ.
واذ صحّ استلزام امكان الصدور عن الغير بالارادة للمقدورية نقول : وكلّ ما له امكان الصدور عن الغير له امكان / ٩٧MA / الصدور عن الواجب ـ تعالى ـ سواء كان بالواسطة أو بلا واسطة نظرا إلى ادلّة اثبات الصانع واثبات التوحيد ، فقدرة الواجب متعلّقة بجميع ما له امكان الصدور عن الغير. فمن لم يجوّز كون الممكن فاعلا مستندا إلى أنّ الممكن باعتبار انّه ممكن لا شيء محض وما كان كذلك لا يصحّ أن يصير موجدا يكون عنده وقوع جميع الممكنات بايجاد الواجب وقدرته. ومن جوّز كون الممكن محرّكا للأجسام جوّز أن يوجد الواجب ـ تعالى ـ حركات الأجسام ، ضرورة أنّ القادر على ايجاد المحرّك قادر على ايجاد الحركات.
والحاصل : انّ قدرة الواجب المقرونة بجميع شرائط التأثير لا تتعلّق إلاّ بالممكنات الّتي لها امكان الوقوع بالنظر إلى علمه بالنظام الأعلى ، إمّا بلا واسطة ـ كما ذهب إليه البعض ـ أو مطلقا ، مع الاتفاق في أنّ صدور غير الحركات من الجواهر انّما هو من الواجب. وأمّا قدرته على الاطلاق فهي متعلّقة بجميع ما هو ممكن الصدور عن الغير ؛