وجد (١) في ذلك الواقع وجود العالم أيضا وكان متناهيا منقطعا يصدق انّ وجود الواجب أيضا منقطع ، وهذا كوجود الافلاك فانّها أيضا خارجة عن الزمان ولا ينطبق وجودها عليه. إلاّ انّه إذا كان وجودها في الواقع بحيث لو فرض فيه زمان كان متناهيا لصدق تناهيها أيضا. وهذا كما يوجب حدوث العالم يوجب حدوث الواجب أيضا ـ تعالى عن ذلك علوّا كبيرا! ـ. فهذا الاحتمال ـ أي : التلازم بين الواجب والعالم ـ مع فرض تناهي العالم احتمال فاسد عند العقل ليس مبنى شيء من الحدوث والقدم ، بل مبنى الحدوث على تناهى العالم وإن استلزم الانفكاك بين الواجب والعالم في الوجود الخارجى وعدم التلازم بينهما ، ومبنى القدم على عدم تناهيه وإن استلزم التلازم والمعية في الوجود بينهما. والسرّ انّ الحكماء والمليين متفقون على ازلية الواجب ـ تعالى ـ وقدمه بمعنى دوام وجوده وبقائه في الخارج بحيث لو فرض فيه الزمان كان غير متناه ، فالحكماء قالوا : وجد فيه الزمان فحكموا بعدم تناهى العالم والزمان ، والمليون قالوا لو لم يوجد فيه ولكن بحيث لو وجد فيه لكان غير متناه. فالحكماء حكموا بأزلية وجود الواجب والعالم والمليون حكموا بأزلية وجود الواجب دون العالم ؛ هذا.
مع أنّ المطلوب هاهنا انّ مجرّد اثبات تناهي العالم من جانب البداية يستلزم ابطال القدم بالمعنى الّذي اثبته الفلاسفة ، ولا ندّعي انّ مجرّد ذلك يثبت تمام المطلوب الّذي نحن بصدده ـ وهو ثبوت الانفكاك الواقعى بين الواجب والعالم ـ ، وصحّة قولنا : كان الواجب موجودا في الخارج ولم يكن العالم ، فانّ ذلك يأتي بيانه مفصّلا ؛ هذا.
وممّا يدلّ على تناهي العالم من جانب البداية ـ بل على حدوثه بعد العدم المحض ـ اجماع الأنبياء والمليين واتفاق أهل الأديان أجمعين (٢) ، فانّه قد ثبت بالتواتر القطعي من الأنبياء وأوصيائهم تناهي العالم من جانب البداية وحدوثه بعد العدم المحض والليس الصرف ، بحيث لا يتطرّق إليه شائبة تجوّز وتأويل. والعقل السليم إذا تشبّث بذيل الانصاف واجتنب عن العناد واللجاج ولاحظ انّ جمّا غفيرا من أولى النفوس القادسة وذوي العقول الثاقبة ـ الّذين لم ينحرفوا / ٤٢MB / قطّ عن الصراط القويم و
__________________
(١) الاصل : ـ وجد.
(٢) راجع : رسالة الحدوث ، ص ١٨١.