ترتّبا ذاتيا إلى غير النهاية ، وليس ذلك التسلسل لكونها في الاعدام محالا.
اقول : الوجه عند الحكماء في عدم استناد القديم الممكن إلى واجب الوجود المختار بمعنى كون فعله مسبوقا بالقصد أنّ الواجب لذاته لا يجوز أن يكون عندهم فاعلا بالقصد ـ لما مرّ ـ ، فالتعليل الّذي ذكر في الدليل المذكور لعدم استناده إليه مع الاعتراض عندهم ساقط. فهذا الاعتراض ساقط على قواعد الحكمة ، بل يتوجّه على من علّل عدم الاستناد بما ذكر من أنّ القصد إلى الايجاد متقدّم على الايجاد المحال.
وأمّا الاعتراض الثاني فالحقّ امكان ورود مثله على قواعد الحكمة أيضا ، ولكن فيه تفصيل وتنقيح لا بدّ أن يشار إليه. فنقول : القديم إمّا قديم بالذات أو قديم بالزمان (١) ، والثاني على قسمين : أحدهما : ما هو متقدّم على الزمان ومتعال عنه ولا يعلّل وجوده بالزمان بوجه ، وهو الّذي اشرنا إليه انّه المبدع لا في زمان المرادف للحادث الذاتي ـ وذلك مثل العقول والعالم الأعلى والافلاك عند الحكماء ـ ، وثانيهما : ما هو متأخّر عن الزمان تأخّرا ذاتيا أو مقارن له ومعلّل به من وجه ، وهو الّذي خصّص / ٤١MB / بعض المتأخّرين اسم القديم الزماني به ـ كما اشرنا إليه قبل ذلك ـ. وذلك مثل الاتصال والالتيام للأجسام الفلكية والعنصرية والسكون للعناصر وأمثال ذلك ، فانّها واقعة في طرف الزمان معلّلة به.
ولا ريب في امتناع العدم على القديم بالذات والقديم بالزمان بالمعنى الأوّل ، لأنّ منشأ التغيّر والتبدّل والوجود بعد العدم وبالعكس هو الزمان ، لعدم استقراره وثباته وجمعه المتقابلات واختلافاتها لاتساع ذاته ، فما هو خارج منه متعال عنه غير محمول في طرف متقدّر ، بل قائم بذاته أو بعلّته فقط ، فانما حامل وجوده وعدمه جميعا هو ذاته أو علّته. فان كان موجودا استحال عدمه ، وإن كان معدوما استحال وجوده ـ لاستحالة التناقض ـ. فهذا الموجود ـ أي : الخارج عن ظرف الزمان ـ اوّل وجوده ووسطه وآخره واحد لا يمتاز له قبل ولا بعد ، فكونه موجودا هو عين كونه باقيا. وأمّا القديم الزماني بالمعنى الثاني فلا يبعد أن يجوز عدمه ، لاحتمال أن يكون رفع مانع مربوط
__________________
(١) راجع : الحكمة المتعالية ، ج ٣ ، ص ٢٥٥ ؛ درّة التاج ، ج ٣ ، ص ٢٩.