وأصل هذا الدليل من المعلم الثاني ، فانه قال في شرح رسالة الزينون الكبير : لا يجوز أن تكون علل ممكنة لا نهاية ، لها لأنّ لكلّ منها خاصية الوسط فله طرف أيضا والطرف نهاية (١).
ثم أورد على هذا البرهان : بأنّه إن اريد انّ كلّ وسط لا بدّ له من طرفين مطلقا فيلزم أن تكون الجملة أيضا كذلك ففيه انّ الجملة أيضا لها طرفان هما اجزاء السلسلة والمعلول الاخير ؛ وإن اريد انّ كل واحد واحد لما كان له طرفان خارجان فالجملة أيضا كذلك ـ لأنّ حكم المجموع هنا لا يخالف حكم الآحاد ـ ؛ ففيه : انّ هذا الشيء لا دليل له أصلا ولا تقتضيه ضرورة أيضا ، فالمسلّم أنّه لا مخالفة بين الآحاد والجملة في المعلولية والاحتياج في الجملة. وأمّا عدم المخالفة بينهما في الاحتياج إلى طرف آخر فغير ممنوع ، بل الجملة إن كانت متناهية كانت محتاجة إلى طرف خارج ، وأمّا الغير المتناهية ـ كما فيما نحن فيه ـ فلا يحتاج إليه أصلا.
والجواب : انّ حكم الجملة هنا لا يخالف حكم الآحاد ، لأنّ افتقار كلّ واحد من الأوساط إلى الطرف ليس لأجل كونها متناهية ، بل لاجل كونها أمورا ممكنة غير موجودة بذواتها وغير ممنوعة غير طريان العدم عليها وهذه العلّة جارية في الجملة بأسرها ، فانّ المجموع من حيث المجموع يجوز طريان العدم عليها بحيث لا يبقى شيء من آحاده أصلا ، فلا بدّ له من طرف هو الواجب لذاته.
وأنت تعلم انّ توجيه هذا البرهان بهذا النحو يجعل بعض مقدّماته ـ من توسّط حديث الوسطية وبيان خاصّته الّتي هي العلّية والمعلولية ـ مستدركا!. اللهم إلاّ أن يقال : انّ التمسّك بهذه المقدمات واتمام البرهان بالوجه الّذي وجّهناه نوع مسلك وعدم التمسّك بها واتمام البرهان بمجرّد ما ذكرناه في التوجيه مسلك آخر أخصر ؛ فتأمّل!.
تتميم
اعلم! أنّ أكثر الأدلّة المذكورة يتوقّف تماميتها ـ كما أشير إليه ـ على كون جميع
__________________
(١) لم أعثر على هذا الكتاب.