وأورد عليه : بأنّه إذا كان افاضة الوجود من جانب الله ـ تعالى ـ والإرادة الّتي من العبد موجدها أيضا هو الله ـ تعالى ـ ، وبعد تحقّق الإرادة يفيض الوجود إليه ، فما تقصير العبد حينئذ؟! ، وكيف يجوز عقابه على ما لا دخل له فيه اصلا؟! ؛ انتهى.
ولا يخفى انّ ما ذكره انّما يلزم إذا كان إرادة أحد الطرفين واختياره فائضة من الله على العبد من دون قدرة للعبد فيه ، لا أن يكون أصل الإرادة بمعنى كون العبد قادرا مختارا مريدا بمعنى كونه مخلوقا كذلك من الله ـ وبالجملة كان ثبوت تلك الصفات من جانب الله ـ ، إلاّ أنّ اختيار أحد الطرفين كان بيده لم يلزم جبر ، لأنّ العبد وان كان وجوده وقدرته على الفعل والترك من جانب الله إلاّ أنّ القدرة لمّا كان من شأنها يمكن من اتصف بها على اختيار كلّ من طرفي الفعل والترك. فله أن يختار ما شاء منها ، فهذا الاختيار بيده وهو كاف للتكليف وترتّب الثواب والعقاب.
إلاّ انّه يرد حينئذ أنّ اختيار أحد الطرفين دون الآخر لا بدّ له من مرجّح ولا يجوز أن يكون ذلك المرجّح ما يختلج بباله ويقع في روعه من الصور الّتي يظنّها مرجّحة ، لانّا نرى أنّ شيئا واحدا كالايمان بنبوّة نبيّ من الأنبياء قد يختلج ببال بعض الناس مرجّح فعله ويختلج ببال غيرهم مرجّح تركه ، وحينئذ فلا بدّ من وجه التخصيص والترجيح لاختيار البعض الفعل ووقوع مرجّحه في روعه واختيار بعض آخر الترك والقاء مرجّحه في باله. فان كان لذلك مرجّح آخر فننقل الكلام إليه وهكذا ، فيلزم التسلسل أو الانتهاء إلى مرجّح يكون من جانب الله ـ تعالى ـ ، وهو مستلزم للجبر ؛ أو إلى مرجّح يكون مستندا إلى ماهية العبد بأن تكون ماهية بعض الناس مقتضية لفعل بعض الأمور وترك بعضها وماهية بعض آخر بالعكس ، مثل أن تكون ماهية سلمان مثلا مقتضية للايمان بنبوّة محمّد ـ صلىاللهعليهوآلهوسلم ـ ووقوع مرجّحه في قلبه وماهية أبى جهل مقتضية للكفر وعدم الايمان ووقوع مرجّحه في نفسه.
وهو مردود بوجهين : أحدهما : انّه يلزم كون القوّة والعدم منشئا للوجود والفعلية ، لأنّ ماهيّات الممكنات مع قطع النظر عمّا أفيض إليها من الواجب من الوجود والفعلية ليست إلاّ العدم والقوّة.