لا قليل ـ.
وهذا الحكم يشتمل على دعويين : إحداهما : انّ كلّ ما يوجد في العالم من الشرور شرّ اضافي ولا يوجد في العالم شرّ حقيقي. وسرّ ذلك انّ الشرّ الحقيقي هو العدم والخير الفيضى هو الوجود ، فانّ الوجود بما هو وجود والموجود بما هو موجود خير محض لا شرية فيه اصلا ، إذ لو كان في نفس معنى الوجود والموجود شرّية لكان كلّ وجود شرّا ، والعدم والمعدوم بخلاف ذلك ؛ ولذا إن يحتسب الأمور الّتي تظنّ أنّها شرور وجدت شرّياتها راجعة امّا إلى أعدام لذوات ـ كالموت والفناء ـ أو فقدان لكمالات ـ كالظلم والزنا ـ ، فانّهما من حيث كونهما أثرين لقوّتى الغضب والشهوة خير لهما وكمال ، وليست شرّا إلاّ من حيث فقدان المال وهتك الستر (١). فلا يوجد موجود يكون شرّا حقيقيا. فان كان موجود شرّا فانّما يكون شرا بالإضافة إلى شيء آخر ـ كالنار بالنسبة إلى الثوب والقاطع بالنسبة إلى العضو المقطوع ، فانّ النار من حيث هو موجود خير في ذاتها ليس فيها بهذا الاعتبار شرّية أصلا ، وانّما شرّيتها بالنسبة إلى ما يتّفق احراقها له ـ. وكذا لا يوجد عدم يكون خيرا حقيقيّا. نعم! قد يتّصف العدم بالخير الاضافى كعدم ما وجوده شرّ / ١٠٥MB / اضافي لشيء بالنسبة إلى هذا الشيء ، فانّ عدم النار خير بالنسبة إلى الثوب المحروق. ولا ريب في أنّ وقوع هذا الشرّ الاضافي لم يكن مرادا بالذات ومقصودا بالاصالة ، بل انّما دخل في عالم الايجاد بالعرض ، فانّ المقصود بالذات من ايجاد النار بلوازمها انّما هو كونها خيرا يترتّب عليها المنافع العظيمة في عالم الايجاد. ثمّ ربما تقع شرّية منها بفعل أحد على ثوب شخص محرقة أو على خشب من بيت فيسري إلى أن يحرق البيت كلّه أو البلد كلّه. وكذا الحال في الطوفانات والطواعين وغيرها من البليات العامّة والخاصّة للحيوانات ، فانّ القصد الأوّل والإرادة الذاتية من ايجاد تلك العلل والاسباب انّما هو خيرات عامّة بالنسبة إلى النظام الأصلح ، وقد يلزمها شرور بالنسبة إلى بعض الافراد والأشخاص.
ووقوعها في القضاء الإلهي والإرادة الأزلية انّما هو بالعرض. والوقوع بالعرض
__________________
(١) الاصل : السرّ.