للقادر بالقدرة بالمعنى الثاني ـ أي : صحة الفعل والترك بالنظر إلى الذات ـ ممنوع ـ لما مرّ ـ ؛ وان ادّعى أنّ الازلى لا يكون أثرا للقادر بالقدرة الملزومة للحدوث فقد عرفت ما يرد عليه. وبذلك يتّضح أنّ تلك المقدّمة المذكورة في الشبهة ـ أعني : كون العدم أزليا والأزلي لا يكون أثرا للقادر ـ لا يصحّ في نفسها ويمكن دفعها وإن قطع النظر عن الجواب المذكور أوّلا ـ أعني : القول بكون العدم مقدورا من حيث البقاء والاستمرار ـ.
تتميم
قول المحقّق الطوسي في التجريد : وانتفاء الفعل ليس فعل الضدّ (١) ، اشارة إلى الجواب عن الشبهة المذكورة. يعنى انّ الطرف المقابل لفعل شيء ـ الّذي هو أحد طرفي القدرة ـ هو انتفاء فعل ذلك الشيء ـ أي : عدم فعله ، لا فعل عدمه ـ ؛ وعدم الفعل ليس فعل الضدّ الّذي هو العدم. وتحقّق العدم قبل القدرة أو كون العدم نفيا محضا إنّما ينافي فعل العدم لا عدم الفعل ، إذ هو مقدور من حيث البقاء وعدمه ، لأنّ للقادر أن لا يفعل فيستمرّ العدم وأن يفعل فلا يستمرّ. وعلى هذا فيمكن أن يكون المراد من الانتفاء الترك ويكون المعنى : انّ الطرفين اللذين هما متعلقا القدرة هما الفعل والترك لا الوجود والعدم حتّى يرد أنّ العدم لا شيء محض لا يصحّ أن يكون متعلّق القدرة ، فيكون قوله : وانتفاء الفعل ليس فعل الضدّ ـ الّذي هو العدم ـ اشارة إلى أنّ متعلّق القدرة هو الفعل والانتفاء ـ أي : الترك ـ ، لا العدم حتّى يلزم فعل العدم الّذي هو فعل الضدّ ، لأنّ ترك الفعل ليس فعل العدم. ففي هذه العبارة اشارة إلى الجواب عن كلا الدليلين اللّذين أوردا في الشبهة لعدم جواز كون العدم مقدورا.
وقال بعض الأعاظم في شرح تلك العبارة : أنها اشارة إلى أن ليس شرط كون انتفاء الفعل متعلّق القدرة كونه فعل الضدّ ، فانّ انتفاء الفعل يصحّ أن يكون متعلّقا للقدرة وتحقّق العدم قبل القدرة لا ينافيه ، إذ يمكن للقادر أن لا يفعل فيستمرّ العدم و
__________________
(١) راجع : تجريد الاعتقاد ، المسألة الأولى من الفصل الثاني من المقصد الثالث ؛ كشف المراد ، ص ٢١٩.