منهج الالهيين أوثق وأشرف حيث قال في الاشارات بعد الاستدلال عليه ـ تعالى ـ من طريقة الوجود من حيث هو : تأمّل كيف لم يحتج بياننا لثبوت الأوّل ووحدانيته وبراءته عن الصمات إلى تامّل لغير نفس الوجود ، ولم يحتج إلى اعتبار من خلقه وفعله؟!. وإن كان ذلك دليلا عليه لكن هذا الباب اوثق واشرف. ثمّ جعل قوله ـ تعالى ـ : ( سَنُرِيهِمْ آياتِنا فِي الْآفاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُ ) اشارة إلى طريقة غير الالهيين من اعتبار الخلق والفعل ، وقوله : ( أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ ) اشارة إلى طريقة الإلهيين ؛ ووصفها بطريقة الصديقين الّذين يستشهدون بالحقّ لا على الحقّ (١).
ثمّ الحقّ في وجه أوثقية هذا المنهج أمّا بالنسبة إلى طريقة الطبيعيين فلابتنائها على مقدّمات يشكل اثباتها ـ كما يأتي ـ ؛
وأمّا بالنسبة إلى طريقتى (٢) المتكلمين فلابتنائهما على حدوث العالم الّذي يشكل اثباته بالدليل العقلي ، فانّ الحقّ إنّ اثباته يتوقّف على اثبات الواجب ، فقبله لا يمكن اثباته بوجه تطمئنّ به النفوس. وظهور مجرّد حدوث الحوادث بل حدوث العالم الجسماني لا يفيد المطلوب ، لامكان انتهاء السلسلة إلى قديم جسماني أو غير جسماني ممكن هي يكون هو المحدث للحوادث ، فانّه يلزم على ما ذهبوا إليه من أنّ علّة الحاجة هي الحدوث أو الامكان بشرط الحدوث شطرا أو شرطا عدم احتياج القديم إلى المؤثر وإن كان ممكنا ، والتمسّك بدلالة خارجية على امتناع القديم الممكن كلام آخر ؛ بل يتوقّف على جعل علّة الحاجة هي الامكان. وأيضا : القول بانّ العلّة المحوجة هي الحدوث أو الامكان بشرط الحدوث خلاف التحقيق ـ كما مرّ ـ.
وأمّا اوثقيته بالنسبة إلى طريقة الامكان الوقوعي ، فلأنّ الامكان الوقوعي
__________________
(١) راجع : الاشارات والتنبيهات ، الفصل التاسع والعشرون ـ وهو آخر فصول النمط الرابع ـ المطبوع مع الشرح للطوسى والمحاكمات ج ص ٣ ص ٦٦ ؛ شرحي الاشارات ج ١ ص ٢١٤.
وانظر أيضا : الحكمة المتعالية ج ٦ ص ١٤. شرح المقاصد ج ٤ ص ٢٢.
(٢) الاصل : طريقة.