لكان مستكملا بفعله ناقصا في ذاته حتّى لا يمكن أن يكون الغرض من فعله نفس (١) معنى إيصال النفع إلى الغير وانّ هذا الفعل خير في نفسه ، لأنّ من يفعل لأنّ الفعل نافع وحسن فان فعل فقد صدق انّه قد أحسن وإن لم يفعل فقد صدق أنّه قد أساء ، فقد كسب لنفسه بهذا الفعل انّه محسن وهرب من أن يكون مسيئا ، فقبل هذا الفعل لم يكن محسنا. وبذلك يظهر أن ملاحظة اصلحية نظام الخير لو كان لها مدخل في الصدور لزم الاستكمال ، لأنّ من فعل الأصلح لأجل انّه اصلح فقد كسب لنفسه بهذا الفعل انّه فاعل الخير وهرب من أن يكون فاعل الشرّ. وقد ثبت انّه ـ تعالى ـ لا يتّصف بصفات زائدة ولا يستفيد بعد ذاته فائدة وانّه منزّه عن شوب القوّة والامكان مقدّس عن احتمال التغير والحدثان ، بل إنّما يفعل لأنّه في نفسه جواد وايجاد نظام الخير ـ من خلق الخلق وانفاق الرزق وبسط النعمة ، كلّ ذلك ـ جود ، فجوده الذاتي هو الّذي يبعثه على الفعل ، فهو ـ تعالى ـ انّما / ٣٦DA / يفعل لأنّه جواد محسن لا لأن يصير جوادا محسنا. كما أنّ الجواد من أفراد بني آدم ـ كمعن وحاتم ـ انّما يجود لأنّه جواد لا لأن يصير جوادا أو لا يكون بخيلا أو يكون ممدوحا ولا يكون مذموما. فكذا الواجب ـ تعالى شأنه ـ انّما يفعل لجوده الذاتي ولا يفعل لشيء من الاغراض المذكورة حتّى يلزم أن يكون مستكملا بفعله ناقصا في ذاته. وإذا كان جوده ـ الّذي هو عين ذاته المقدّسة ـ مقتضيا لايجاد العالم فيجب صدور العالم منه بالنظر إلى ذاته عندهم ، ولا يكون صحّة الفعل والترك جائزا لديهم ، لأنّ الذات لا ينفكّ عن الجود والجود لا ينفكّ عن افاضة الوجود ؛
قلنا : ما ذهب إليه الحكماء من اقتضاء جوده الذاتي لايجاد العالم لا ينافي امكان الفعل والترك بالنظر إلى ذاته ، بل يؤكّده ؛ فانّهم قالوا : انّ كلاّ من الصدور واللاصدور وان امكن بالنظر إلى ذاته / ٣٦MB / المقدّسة إلاّ أنّ الفيض لمّا كان حسنا مناسبا لذاته الفيّاضة وتركه كان قبيحا غير مناسب لها وجب صدوره منه ـ تعالى ـ ، كذلك وإن كان تركه جائزا بالنظر إلى ذاته. وقس عليه الافعال القبيحة ـ كالكذب وأمثاله ـ ، فانّها وإن كانت ممكنة له ـ تعالى ـ بالنظر إلى ذاته إلاّ أنّه ـ تعالى ـ لا يفعلها
__________________
(١) الاصل : فعله نفس بمعنى.