فان قيل : المرجّح هو مجرّد الاختيار من غير احتياج إلى مرجّح آخر ، فانّ المختار من له القوّة والتمكّن على كلا طرفي الفعل والترك ، فله أن يرجّح الفعل بهذا الاختيار ؛
قلنا : هذا باطل عند الحكيم ، لأنّ / ٣٧MB / الاختيار وإن صلح لأن يكون مرجّحا للفعل إذا تعلّق به إلاّ أنّه لا بدّ لنفس التعلّق بالفعل دون الترك من مرجّح آخر ، وبالجملة يلزم على قواعد الفلاسفة نفي القدرة بهذا المعنى عن فعل الواجب ويقولون : انّ القدرة الّتي هي صفة الكمال أن يصدر الفعل بالعلم والمشية والإرادة الّتي هي العلم بالنظام الأصلح عندهم ، وهو ثابت له ـ تعالى ـ. ووجوب الصدور مع ذلك غير قادح ، كما أنّ العلم وغيره من الصفات الكمالية لازم لذاته ، ولا يمكن عدم اتصافه بالنظر إلى ذاته.
والظاهر انّ من قال بثبوت القدرة بهذا المعنى له ـ تعالى ـ من المنتسبين بالحكمة أو نسب القول به إلى الحكماء لم يحصّل مقاصدهم ولم يصحّح أصولهم وقواعدهم!.
وبما ذكرنا يظهر فساد ما ذكره بعض الاعلام في هذا المقام حيث قال : فان قيل : إذا كان الفعل والترك صحيحا بالنظر إلى ذات الفاعل عند الحكماء فلا يجوز لهم جعل مقدّم الشرطية الأولى واجبا ومقدّم الشرطية الثانية ممتنعا ، لأنّه إن كان المراد بالصحّة الامكان الذاتى فلا شكّ في تحقّقه في المقدّمتين ـ فانّ العالم ممكن فلا ينفكّ عنه صحّة وجوده وعدمه ـ ؛ وإن أريد به سلب الامتناع الذاتي والغيري معا فلا شكّ في انتفائه ـ فانّ العالم موجود ، فيكون واجبا بالغير ، فلا يصحّ سلب الامتناع المطلق عن عدمه ـ. فلا يظهر وجه الخلاف في وجوب مقدّم الشرطية الأولى وامتناع مقدّم الشرطية الثانية ؛
قلنا : انّ عدم العالم ممكن بالنظر إلى ذاته ـ لامتناع زوال الامكان الذاتي عنه ـ ، وإلاّ يلزم الانقلاب ، لكن عدم مشيته ـ تعالى ـ ممتنع بالذات عند القائلين بالقدم. ولا منافاة بين الامكان والامتناع بالنظر إلى الغير ـ الّذي هو عدم المشية ـ ، فعدم المشية غير واقع بل ممتنع عندهم ، فعدم العالم غير واقع كعلّته ، فامتناع عدم العالم إنّما هو بهذا