الموجبة للفعل أو الترك ـ أي : التمكّن الّذي صار منشئا للوجود أو العدم بالفعل ، سواء كان مستلزما للانفكاك أم لا ، بل وجب معها أحدهما دائما ولم يرد منها القدرة الملزومة للحدوث ـ ، نقول : لو صحّ ذلك فلا ريب في لزوم كون التمكّن المذكور بالعلم والمشيّة ، فرجع إلى القدرة بالمعنى الأوّل من معاني القدرة المتقدّمة ـ أي : كون الصدور واللاصدور بالعلم والمشيّة وإن وجب أحدهما ـ. ولا ريب في كون جميع الممكنات متعلّقا للقدرة بهذا المعنى ولو جعل التعلّق أعمّ من التعلّق بلا واسطة أو بواسطة. وبالجملة لا شبهة في أنّ الخصوصية ليست مانعة من تعلّق القدرة المستجمعة لجميع شرائط التأثير بالواسطة ، سواء أريد منها أحد المعانى المذكورة أو معنى آخر غيرها. والاطلاق بكون الخصوصية مانعة منها غير مناسب.
على أنّ هذا القائل صرّح بأنّ القدرة المتنازع فيها بين الفلاسفة والمليين هي القدرة الملزومة للحدوث ، وهي الّتي كان هذا القائل بصدد اثباتها واثبات عمومها دون القدرة بالمعنى المشهور ، لتصريحه بأنّه متّفق عليه بين الكلّ. فما ذكره من أنّ الخصوصية ليست مانعة من تعلّق القدرة بالمعنى / ٩١DA / المشهور لا يفيده ، بل لا بدّ له من بيان عدم كونها مانعة من تعلّق القدرة الملزومة للحدوث ؛ هذا.
وما ذكر في الايراد المذكور من انّه على قانون الحكمة جاز أن تستعدّ المادّة لحدوث ممكن دون آخر ، فلا يكون نسبة الذات إلى الجميع على السواء ؛
ففيه : أمّا أوّلا : انّه على قانون الحكمة لا يمكن أن يؤثّر ويوجد إلاّ واجب الوجود بالذات ، فكلّ شيء له امكان قبول الوجود فانّما يوجد من الواجب الوجود بالذات الّذي هو باعتبار ذاته موجود ، فانّ الممكن الّذي ليس له في حدّ ذاته وجود محال عندهم اتصافه بالايجاد.
والحاصل : انّ الحكماء لمّا لم يجوّزوا التأثير في الموجود لغيره ـ تعالى ـ فكلّ ما هو مقدور للغير لا بدّ أن يكون مقدورا له ـ تعالى ـ ، بل اطلاق كلامهم وادلّتهم يدلّ على انّ افعال العباد أيضا ليست صادرة عنهم ، بل بقدرته ـ تعالى ـ وإن كان الحقّ خلافه.