لذا قد يفسّرها كلّ واحد منهما بكلّ واحد منهما نعم! المقصود من التفسيرين عند الحكماء هو أن يكون صدور الفعل منه بالعلم والمشية والإرادة ، والايجاب ـ المقابل للقدرة بهذا المعنى ـ هو أن يكون اصل الذات منشئا وسببا لصدور الفعل بلا علم وإرادة ـ كافعال الطبائع ـ ؛ وهذا قد يكون أصل الذات كافيا في صدور الفعل ـ كالضوء للشمس مثلا ـ وقد يتوقّف على بعض الشرائط ـ كالاحراق للنار مثلا ـ.
ولا نزاع بين الحكماء والمليين في ثبوت القدرة للواجب بهذا المعنى ، وقد صرّح المحقّق الطوسي ـ رحمهالله ـ وغيره من أهل التحقيق بأنّ الفلاسفة متّفقون على ثبوت القدرة بهذا المعنى للواجب ـ تعالى ـ.
ويمكن أن يكون مقصودهم من التفسيرين ـ على ما ذكره جماعة ـ امكان صدور الفعل والترك بالنظر إلى ذات الواجب ـ تعالى شأنه ـ ، وإن وجب الفعل بالنظر إلى الداعى واستحال انفكاكه ـ تعالى ـ عن ايجاد العالم. فلذلك بعض المحصلين قد ادّعى اتفاق الفلاسفة على ثبوت القدرة بهذا المعنى للواجب ـ تعالى ـ.
ولكن الحقّ أنّ هذه الدعوى غير مطابقة للواقع. وسيأتي تفصيل القول وتحقيق الحقّ في ذلك.
وأمّا المتكلّمون فيقولون : انّ المراد من التفسيرين انّه ليس شيء من الفعل والترك لازما بالنظر إلى ذاته ولا بالنظر إلى الداعي ، فلا يستحيل انفكاكه ـ تعالى ـ عن شيء منهما ؛
إلاّ أنّ الأشاعرة من المتكلّمين قالوا : انّه لا يستحيل الانفكاك / ٣٢DB / في أيّ وقت فرض ولو وجد الداعي ؛
والمعتزلة منهم قالوا : انّه لا يستحيل الانفكاك في الأزل ، لأنّهم قالوا : يمتنع انفكاك ذاته عن ايجاد العالم في الوقت الّذي أراد وأوجد ، وانّما لا يمتنع انفكاكه في الأزل ـ ويأتي بيان ذلك مفصّلا ـ. فعلى المذهبين يصدق أنّ شيئا من الفعل والترك ليس لازما لا بالنظر إلى ذاته ـ مطلقا ـ ولا بالنظر إلى الداعي ـ في الجملة ـ وإن اختلفا في عدم اللزوم بالنظر إلى الداعي في استغراق الاوقات وعدمه. والايجاب المقابل لهذا