مع انّه يحفظ الايمان عن ورود الضدّ. وأمّا الفائدة المشهورة للتكليف ـ أعني : الابتلاء ـ فهي منتفية على هذا التقدير ـ أي : على تقدير تحقّق الفعل ـ ، فانّها تتصوّر عند التردّد في الفعل وتركه ، أمّا عند تحقّق الفعل فلا. إلاّ أنّه لا مانع منه ، لأنّ الابتلاء انّما يكون فائدة حدوث التكليف لا فائدة استمراره ، فيكون للتكليف فائدتان : إحداهما بالنظر إلى استمراره ـ وهي كونه سببا للتحصيل ومانعا عن ورود الضدّ ـ ؛ وأخراهما بالنظر إلى حدوثه ـ وهي الابتلاء والامتحان ـ. يعني لمّا حدث التكليف قبل القدرة على الفعل واستمرّ إلى حين القدرة وبقي معها فيكون له اعتباران : أحدهما الحدوث ؛ وثانيهما : الاستمرار ؛ فبالنظر إلى كلّ اعتبار تكون له فائدة. وغير خفيّ انّ تحصيل الحاصل بنفس ذلك التحصيل وإن كان جائزا وبه ثبت جواز استمرار التكليف بالايمان حال وجود الايمان ، إلاّ أنّ ذلك التحصيل يتوقّف على سبق قدرة ، لأنّ التحصيل فرع القدرة. فهذا التحصيل إن كان من العبد فلا بدّ له من تقدّم قدرة له عليه ـ وإلاّ لزم تحقّق المشروط بدون الشرط ـ ، وإن كان من الله لزم التكليف بما لا يطاق.
فان قيل : القدرة مقارنة لذلك التحصيل ؛
قلنا : تقدّم الشرط على المشروط لازم.
ثمّ ما قيل في الجواب عن لزوم عدم الفائدة في تحقّق التكليف بعد حصول المكلّف به : بأنّ الفائدة بعد التحصيل كون التكليف سببا لذلك التحصيل ، يرد عليه : انّ مجرّد التكليف إن كان سببا تامّا للتحصيل لزم أن يكون التكليف في زمان عدم الفعل أيضا سببا تامّا فكان اللازم عدم انفكاك الفعل عن التكليف ؛ وإن لم يكن سببا تامّا بل كان جزء من اجزاء العلّة التامّة لحدوث الفعل بأن يكون مع القدرة الموجودة في الفاعل والإرادة الحادثة فيه لغرض من الأغراض سببا تامّا ، فثبت المطلوب ـ أعني : تقدّم القدرة على الفعل ـ.
وما قيل : انّ الابتلاء إنّما يكون فائدة حدوث التكليف لا استمراره ؛
ففيه : انّه إذا لم تكن القدرة متقدّمة على الفعل لم تتحقق هذه الفائدة للحدوث أيضا ، لأنّ زمان التكليف إذا كان خاليا عن القدرة فكيف يتحقّق الابتلاء المستلزم