الاستدلال بهذا النحو مسلك آخر سوى طريق الاستدلال والمباحثة ، إذ على هذه الطريقة نقول : إن اراد بقوله « مجموع الموجودات ... إلى آخره ـ » : انّ المجموع المذكور بشرط كونه موجودا يمتنع أن يصير لا شيئا محضا فهو ممنوع ، ولكن جميع الممكنات الموجودة بشرط الوجود أيضا كذلك بلا فرق. وإن أراد أنّ جميع الموجودات المقيّدة بالوجود يمتنع أن يصير لا شيئا محضا فممنوع وانّما يصحّ ذلك على تقدير وجود الواجب بالذات لا مطلقا ، ومن لم يسلّم وجود الواجب كيف يسلّم ذلك؟! ؛ انتهى.
ووجه الاندفاع : أمّا على التعليل الأوّل فظاهر. وأمّا على التعليل الثاني فلأنّ البرهان المذكور دلّ على أنّ الممكنات الموجودة لها اعتباران ، أحدهما : اعتبار أنّها ماهيّات وثانيهما : اعتبار أنّها موجودات ؛ وبالاعتبار الأوّل لا يأبى عن الوجود والعدم ، فلا يمتنع أن يصير لا شيئا محضا ؛ وبالاعتبار الثاني يجب أن يكون لها وجوب ، لأنّ الوجود لا ينفكّ عنه ، والوجوب ينافي صيرورتها لا شيئا محضا وهو لا يحصل إلاّ من الواجب بالذات ـ لما تقرّر ـ.
وحمل بعض الأفاضل امتناع انعدام مجموع الموجودات على انعدامه بالمرّة ، وقال : امتناع صيرورة مجموع الموجودات لا شيئا محضا بالمرّة معلوم بالضرورة ـ كما هو المشهور ـ ، ومجموع الممكنات لا يمتنع عليه ذلك ، لأنّ مجموعات الممكنات في حكم ممكن واحد في جواز طريان الانعدام عليها.
وأنت تعلم انّ هذا كلام شعري!. فانّ من لا يسلّم وجود الواجب كيف يسلّم امتناع انعدام مجموع الموجودات بالمرّة. ودعوى البداهة غير مسموعة.
فان قلت : قد صرّح المعلّم الأوّل في أثولوجيا بامتناع انعدام الحقائق حيث قال في اثبات بقاء النفس بعد خراب (١) البدن : « انّ النفس حقيقة والحقيقة لا تبيد (٢) » ، فيعلم منه أنّ الحقائق الموجودة لا تنعدم بالمرّة ؛
قلت : لو سلّم ذلك لدلّ على عدم انعدام الحقائق بعد صيرورتها موجودة ، سواء
__________________
(١) الاصل : ـ خراب.
(٢) ما وجدت هذه العبارة المنقولة عن هذا الكتاب حرفيا فيه ، بل يوجد : فامّا النفس فانّها قائمة ثابتة على حالة واحدة لا تفسد ولا تبيد. راجع : أثولوجيا ، الميمر التاسع ص ١٢٢.