فان قيل : المتحقق في ضمن الفردين شيء واحد ، فيلزم أن يكون باعتبار وجوده في ضمن أحد الفردين متوقّفا على نفسه باعتبار وجوده في ضمن الفرد الآخر ، فيلزم الدور ؛
قلنا : لا ضير فيه ـ كما تقدّم مفصّلا ـ.
وبعضهم أخذ فيه بدل « طبيعة الموجود » : « الموجود المطلق » ، وبعضهم أخذ « الموجود بما هو موجود ».
قال بعض الأفاضل : هذا البرهان مستفاد من كلام الشيخ في « إلهيات الشفاء » ، وبيانه بعبارة أخرى : انّ الموجود بما هو موجود مع قطع النظر عن خصوصيته سوى الوجود لا يحتاج في تحقّقه في الخارج إلى موجب أوجب تحقّقه ، وإلاّ لاحتاج جميع الموجودات إليه ضرورة ، فاحتاج هذا الموجب أيضا إلى نفسه لدخوله في جميع الموجودات وذلك تقدّم الشخص على نفسه. فطبيعة الموجود بما هو موجود واجبة التحقّق ممتنعة العدم لا لعلّة ، ولو لم يكن فرد يجب وجوده بالذات كان عدم الجميع ممكنا ـ لجواز طريان العدم على جميع الممكنات الصرفة ـ ، فينعدم الطبيعة بانعدام الكلّ ، هذا خلف.
ثم قال : وأنت تعلم انّ المراد بالوجود المشتقّ منه الموجود هاهنا ليس الوجود العامّ البديهي الاعتباري الانتزاعي الّذي ليس له تحقّق في الخارج أصلا ، بل هو من المعقولات الثانية بالمعنى الأعمّ وهو زائد على جميع الموجودات معلّل بها في الذهن ، بل المراد هو الوجود الحقيقيّ الّذي هو منشأ الآثار ومحقّق الحقائق ، وهو الموجود بالحقيقة ومعلوم بوجه ما ؛ انتهى.
وعبارة الشيخ الّذي أشار إليه هو هذا : « ثمّ المبدأ ليس مبدأ للموجود كلّه ، ولو كان مبدأ للموجود كلّه لكان مبدأ لنفسه ، بل الموجود كلّه لا مبدأ له ، انّما المبدأ مبدأ للموجود المعلول ، فالمبدأ هو مبدأ لبعض الموجود (١) » ؛ انتهى.
وأقول : إن كان مراده بالوجود الحقيقيّ الّذي حمل الموجود عليه هو ما يشمل
__________________
(١) راجع : الشفا / الالهيات ج ١ ص ١٤.