يجب أن تكون في فاعلها أيضا جهة القوّة ، فالاوّل ـ سبحانه ـ لتجرّده وتعاليه عن جهة القوّة لا يمكن أن يكون فاعلا قريبا مباشرا لها عند الحكماء؟ ؛
قلنا : قد تقدّم انّ تحقّق جهة القوّة في فاعل ما فيه جهة القوّة غير لازم ؛ ولو سلّم نقول : انّ توسيط المثل وغيره ممّا يكون به جهة القوّة لا ينافي قرب الفاعل الموجد المؤثّر ، وذلك كما انّ الواحد من جميع الجهات عند الفلاسفة لا يمكن أن يصدر عنه إلاّ واحد مع انّ صدور جميع الموجودات القارّة انّما هو عنه ـ تعالى ـ عند جميعهم ، وذلك بتوسيط العقول وغيرها. والتأثير والايجاد انّما هو عنه ـ تعالى ـ وتلك الوسائط كالآلات والشرائط في صدور / ٩٨DA / الكثرة عنه ـ كما نقل عنه في شرح الاشارات (١) وغيره ـ ، لا أنّها المؤثّرات القريبة وهو العلّة البعيدة ـ كما هو معروف عند غير المحقّقين من المتفلسفة ـ. نظير ذلك صدور الحركات الارادية عن نفوسنا ، اذ تحريك النفس الناطقة المجرّدة لليد مثلا لا يمكن إلاّ بانبعاث الميل الجزئي وتوسيط القوى الآلية وتحريك الأعصاب والعضلات ، وذلك لا يستلزم كون التأثير من تلك الوسائط.
وكذلك ادراكها للمتوهّمات والمتخيّلات والمحسوسات لا يمكن إلاّ بالآلات وهو المدرك للجميع بالحقيقة.
وأمّا على طريقة المعتزلة فلأنّ كلّ شخص من حيث هو أنّه شخص إذا صدر عن غيره ـ سبحانه ـ فيمكن صدوره عنه ـ تعالى ـ أيضا بالنظر إلى ذاته ، إلاّ أنّه لمّا صدر عن الغير لبعض المصالح الراجعة إلى نظام الخير صار هذا الصدور منشئا لاستحالة صدوره عن الله ـ سبحانه ـ ، لأنّ الشخص من حيث انّه واحد بعينه لا يمكن أن يقع في الخارج مرّتين ، فالامكان بالنظر إلى ذاته ـ تعالى ـ حاصل ، فلا يلزم نفي شمول قدرته بالمعنى المقصود للشخص بعينه. والامتناع قد حصل بالغير ، فلا يلزم صحّة توارد العلّتين على الشخص في الواقع. وإلى هذا اشار المحقّق الطوسى في مبحث القدرة من الأعراض بقوله : ولا يتّحد وقوع المقدور مع تعدّد القادر » (٢) ؛ فانّ افحام لفظ
__________________
(١) راجع : شرح الاشارات والتنبيهات ، المطبوع مع المحاكمات ، ج ٣ ، ص ٢٤٩ ؛ شرحي الاشارات ، ج ٢ ، ص ٤٧.
(٢) راجع : تجريد الاعتقاد ، المسألة الثالثة والعشرون من الفصل الخامس من المقصد