التوجيهين الاولين راجعان إلى بعض الادلّة السابقة ، والاخير دليل على حدة لم يذكر.
فالصحيح في الجواب عن الايرادين الاخيرين أن يقال : المقصود بالذات من نفى الاولوية الذاتية امكان اثبات الصانع ، فاذا ثبت انّ بعض الممكنات لا يمكن وجودها بدون أمر موجود مغاير للممكنات ثبت المطلوب.
فان قلت : لعلّ الموجود الأوّل هو الأمر الآني أو الزمان. وتنتهي سلسلة الممكنات الموجودة إليه ، وهو يوجد بمجرّد الاولوية للإيرادين المذكورين ؛
قلنا : مجرّد الاولوية لا يكفى لوجود كلّ واحد من الأمر الآني والزماني ، إذ لو كان كافيا له لكان مستلزما له والمفروض انّ ذات الممكن مقتضية للاولوية ، فتكون مستلزمة لها. فالذات مستلزمة للاولوية والاولوية مستلزمة للوجود ، فالذات مستلزمة للوجود ، فيكون موجودا دائما ولا يجوز زوال الوجود عنها ، هذا خلف ؛ هذا!.
وأمّا بطلان الاولوية الخارجية ـ ويقال لها : « الاولوية الغيرية » أيضا ـ فاعلم أوّلا انّ المراد بها أن يجعل الفاعل أحد طرفي الممكن اولى ويوجده بمجرّد هذه الاولوية من غير أن يجعله واجبا. واذ عرفت ذلك فاعلم! انّا قد بيّنا فيما سبق انّ الشيء ما لم يجب لم يوجد وبه ثبت بطلان الاولوية الذاتية بادنى تغيير ، مثلا نقول في الدليل الاوّل : لو وجد الممكن بعلّة مرجّحة غير موجبة فلا يخلوا انّه مع هذا الرجحان امّا يجوز وقوع عدمه جوازا ذاتيا أو لا ، فعلى الثاني يكون الطرف الراجح واجبا وفرض ممكنا ، هذا خلف! ؛ وعلى الأوّل فاذا فرض وقوع عدمه فلا بدّ من رجحانه على طرف الوجود لانّه ما لم يترجّح لم يتصوّر له الوقوع لايجابه ترجيح المرجوح ، فيصير الطرف المرجوح ـ أعني : العدم ـ راجحا على الطرف الآخر ـ اعنى : الوجود ـ وهذا مناف لما اقتضته العلّة ، لانّ المفروض أنّها اقتضت اولوية الوجود ، فكيف صار العدم اولى!؟.
ونقول في الدليل الآخر : الممكن إن ترجّح وجوده مثلا بالاولوية الخارجية امّا يجوز عدمه ، أو لا ؛ فعلى الثاني لم يكن ما فرضناه اولوية اولوية بل وجوبا ، هذا خلف!. وعلى الأوّل فلنفرض وقوعه معها تارة وعدم وقوعه معها اخرى ، فامّا أن لا يتفاوت رجحانه الحاصل من العلّة في الحالين اصلا لزم ترجّح احد المتساويين على الآخر