كما قال به بعض المتكلّمين ـ ليكون واسطة يحصل به الربط بينهما.
ثمّ بيان هذا الربط يتوجّه على كلّ واحد من الحكماء والمتكلّمين وغيرهم من طوائف العقلاء ، والاشكال فيه لازم على قواعد الكلّ ، لأنّ كلاّ منهم لا يخلوا من الاعتقاد بوجود حادث ، لأنّ الفلاسفة لا ينكرون الحوادث الزمانية وإن قالوا بقدم العالم ؛ والمتكلّمون قائلون بحدوث العالم ولا ينكرون وجود الحادث وإن قالوا بقدم الزمان الموهوم ؛ والقائلون بالحدوث الدهري يثبتون حدوث ما سوى الله. فكلّ من الفرق الثلاث لا يخلوا عن الاذعان بوجود الحادث ، فالاشكال الوارد في كيفية ربط الحادث بالقديم على الجميع لازم.
ووجه الاشكال فيه انّ الحادث متغيّر قد يكون وقد لا يكون ، والقديم ثابت دائما ، فلو كان علّة له لزم تخلّف المعلول عن علّته حال عدمه ، فلا بدّ من واسطة يحصل بها الربط بينهما.
ولكلّ من الحكماء والقائلين بالحدوث الزماني والمثبتين للحدوث الدهري طريق في كيفية الربط / ٥٢MB / بينهما ، ونحن نذكر الطرق الثلاث ونشير إلى ما ينبغى أن نشار إليه ليظهر جلية الحال.
أمّا طريقة الحكماء : فهي انّ الحوادث الّتي توجد في العالم لم تصدر من القديم ـ أعني : الواجب تعالى شأنه ـ بدون واسطة ليلزم التخلّف ، بل هي انّما تصدر عنه ـ تعالى ـ بتوسّط الحركة والزمان ؛ ولكونهما أزليين متغيّرين بذاتهما يحصل بهما الربط.
بيان ذلك : انّ كلاّ من الحركة والزمان إذا كانا أزليان فالربط بين الواجب وأوّل جزء منه ثابت ، لأنّه صدر حينئذ قديم عن قديم لا حادث عن قديم ، فلا يلزم تخلّف المعلول عن العلّة. ثمّ انّ كلاّ منهما لكونه متغيرا بذاته لا بغيره يحصل به الربط بين الواجب وبين سائر الاجزاء والحوادث اليومية الزمانية. بيان ذلك : انّ كلّ جزء يفرض فيه أوّلا يشترط به وجود الجزء الثاني ويمتنع اجتماعه معه ، فكلّ جزء متأخّر مع ما يوجد من الحوادث مقارنا له يتوقّف وجوده على الجزء المتقدّم وغيره من الأجزاء السابقة عليه ويمتنع وجوده بدونه ، فالعلّة المستقلّة له هو الواجب ـ تعالى