بالنسبة إلى الخير المحض. فما يوجد في العالم إمّا خير محض ليس فيه شرّية أصلا أو ما هو خيره غالب على شرّه. ولا يوجد في العالم شرّ محض لا يكون فيه خير أصلا ولا ما هو شرّه غالب على خيره ولا ما هو خيره وشرّه متساويان ؛ فانّ الأشياء عند العقل على خمسة احتمالات :
أحدها : الشيء الّذي لا خير فيه أصلا ؛
وثانيها : الشيء الّذي لا شرّ فيه أصلا ؛
وثالثها : الشيء الّذي يتساوى الخير والشرّ فيه ؛
ورابعها : ما يكون خيريته غالبا ؛
وخامسها : ما تكون فيه غلبة الشرّ.
وذات الواجب بالذات لمّا وجب أن يكون مبدأ لجميع الخيرات ولم يمكن أن يصير مبدأ للشرّ وجب أن يصدر عنه قسمان من الأقسام المذكورة ـ أي : القسم الثاني الّذي ليس فيه شرّية اصلا والرابع الّذي خيريته غالب ، لان ترك الخير الكثير لأجل الشرّ القليل شر كثير ـ ، وأن لا يصدر عنه الاقسام الثلاثة الأخر لاستلزام صدورها مبدئيّته ـ تعالى ـ للشرّ.
والأمر في الواقع والخارج كذلك ، لأنّ جميع الأشياء الموجودة في العالم لا يخلوا من كونه خيرا محضا أو ما هو خيريته غالب ، ولا يوجد فيه شيء يكون واحدا من الأقسام الثلاثة الأخر.
ثمّ الخير المحض هو الواجب ـ تعالى شأنه ـ ، اذ هو محض الوجود وعينه والوجود المحض خير محض ، إذ لا عدم فيه بوجه ؛ ومناط الشرّ هو العدم والشرّ المحض لا وجود له ، إذ كلّ موجود لا يخلوا عن الوجود وهو خير ، فلا ينفكّ موجود عن الخير.
/ ١٠٦MA / ووجود ما شرّه غالب على الخير أو ما يتساوى الخير والشرّ فيه خلاف مقتضى الحكمة ، بل مجرّد ثبوت أنّ الوجود خير محض يوجب عدم تحقّق موجود يكون شرّه أغلب أو مساويا للخير ، فالموجودات الممكنة كلّها ممّا يغلب خيره على شرّه. إلاّ أنّ ما فيه شوب العدم اقلّ يكون إلى الخير المحض اقرب. ولغلبة خيرها على شرّها