قديم لكان دائم الافتقار إلى المؤثّر مع دوام وجوده. فالممكن في حدّ ذاته فقر محض وعدم صرف. وانّما يصير موجودا واجبا بالغير ، كما قال كبير الفلاسفة : « الممكن في حدّ ذاته ليس ولعلته أيس ». ولا ريب في انّ الوجوب بالغير لا يخرجه عن الافتقار الذاتى لانّ ما بالذات لا يزول وما يقتضيه الذات مقدّم على ما يقتضيه الغير ، فسلب الاحتياج عن الممكن ـ حادثا كان أو قديما ـ محال.
قال الشيخ في المبدأ والمعاد ما حاصله : « انّه لا يجوز ان يكون الحادث ثابت الوجود بذاته من دون افتقار إلى العلّة ، لانّا نعلم بالضرورة انّه لم يجب ثبوته ووجوده لذات الممكن ومهيته ، فيمتنع أن يصير واجبا بالحدوث الّذي ليس واجبا لذاته ولا ثابتا لذاته ، فالحقّ ـ جلّ وعزّ ـ قيوم الكلّ كما هو موجد الكلّ ».
ثمّ لا يخفى انّ من قال علّة الاحتياج إلى المؤثّر هو الحدوث وحده أو الامكان مع الحدوث ـ شطرا أو شرطا ـ يلزمه أن يكون الممكن حال بقائه مستغنيا عن المؤثّر ، اذ لا حدوث حال البقاء فلا احتياج ، وقد التزمه جماعة منهم ؛ كما قال اليهود : « انّ الممكنات تفتقر إلى المؤثّر في اخراجها من العدم إلى الوجود وبعد اخراجه منه إليه لا تبقى لها حاجة إليه حتى لو جاز العدم على المؤثّر ـ تعالى عن ذلك علوّا كبيرا! ـ لما ضرّ العالم ».
وتمسّكوا في ذلك ببقاء البناء بعد فناء البنّاء (١) ، ولم يعلموا انّ الكلام / ١٠DA / في العلّة الموجدة ، وليس البنّاء موجدا للبناء وانّما هو علّة لحركات الآلات واللبنات والأخشاب بحركة يده ، وتلك الحركات علل عرضية معدّة لاوضاع مخصوصة بين تلك الآلات والاخشاب وتلك الاوضاع مفاضة من علل فاعلية غير تلك الحركات المستندة إلى حركة البنّاء (٢).
فان قيل : تأثير المؤثّر في الباقي محال ، لانّه إن افاد الوجود الّذي كان حاصلا فيلزم تحصيل الحاصل ؛ وإن افاد / ١٠MA / امرا آخرا متجدّدا لم يكن التأثير في الباقي ،
__________________
(١) راجع : الشرح الجديد ص ٧٠. التحصيل ص ٥٢٦.
(٢) راجع : شوارق الالهام ص ١٣٩ ، نقلا عن المحقّق الشريف.