والمنقول عنهم طريقان :
الطريقة الأولى : انّ النفس الناطقة خارجة في كمالاتها من القوّة إلى الفعل ولا بدّ لها من مخرج ، ويجب الانتهاء إلى مخرج كان جميع كمالاته بالفعل ولا يكون مفتقرا إلى مخرج ـ دفعا للدور والتسلسل ـ ، والمخرج غير المخرج هو الواجب بالذات ؛ وهو المطلوب.
الطريقة الثانية : انّ النفس حادثة بحدوث البدن ـ كما يأتي ـ ، فهي ممكنة محدثة ، فلا بدّ لها ـ لامكانها أو حدوثها ـ من موجد. ولا يجوز أن يكون موجدها جسما لكونها مجرّدة ، وعدم جواز صدور المجرّد عن الجسم والجسماني ـ كما اثبتناه قبل ذلك ـ يوجب أن يكون موجدها مفارقا عن المادّة ، فان كان واجبا ثبت المطلوب ؛ وإلاّ ينتهى إليه ـ دفعا للدور والتسلسل (١) ـ.
وأنت تعلم انّه لا بدّ في هذه الطريقة من التمسّك بالامكان أو الحدوث ، والتفاوت إنّما هو في انّ موجد هذا الموجود المعين يجب أن يكون مفارقا ؛ مع أنّها متوقّفة على مقدّمات كثيره من اثبات تجرّد النفس وابطال التناسخ وغير ذلك.
المسلك الثاني
مسلك المتكلّمين
ولهم طريقتان :
الأولى : طريقة المتكلّمين الّذين جعلوا علّة الحاجة هي الحدوث ، فاعتبروا في اثبات الصانع مجرّد الحدوث. والثانية : طريقة المتكلّمين الّذين جعلوا علّة الحاجة هي الامكان بشرط الحدوث ، فاخذوا في اثبات الصانع الامكان بشرط الحدوث.
وتقرير الطريقة الأولى : انّ العالم بمعنى ما سوى الواجب حادث ـ للدلائل الدالّة عليه ـ ، فلا بدّ له من محدث غير حادث ـ دفعا للدور والتسلسل ـ ؛ والمحدث الغير الحادث يجب أن يكون واجبا. وإن لزم على هذه الطريقة عدم احتياج القديم وان كان
__________________
(١) وانظر أيضا : الحكمة المتعالية ، ج ٦ ، ص ٤٤.