بانحائها إلى غير الواجب من المتحرّكات. وعلى التوجيه الأوّل يظهر من عبارته الأولى أيضا جواز كون المحلّ فاعلا لما هو عرض له ، لا صورة له. وعلى أيّ حال يثبت من كلام الشيخ استناد الحركات والأعراض ممّا يثبت من البرهان من أنّه لا يجوز أن تكون علّة الوجود إلاّ ما هو بريء من كلّ وجه من معنى ما بالقوّة.
هذا هو توضيح كلام الشيخ ووجه استفادة ما ذكره القائل من كلامه.
وقد أورد على ما ذكره هذا القائل أبحاث :
الأوّل : انّ الاستشهاد بكلام الشيخ هنا ممّا لا وجه له ، لأنّ مراده ليس استثناء الحركة ؛ بل غرضه : انّ المراد بالفاعل ليس مبدأ التحريك فقط ـ كما هو اصطلاح الطبيعيين ـ ، بل مبدأ الوجود مطلقا. وتقييد « الشيء » في تعريف الفاعل بكونه مبائنا لذاتها بالمعنى الّذي ذكره انّما هو لاخراج الموضوع عن تعريف الفاعل من حيث هو موضوع ، وإلاّ فالفاعل للحركة من حيث هو فاعل لها داخل في الفاعل عنده. كلّ ذلك يظهر بالتأمّل في كلامه ممّا نقل وممّا لم ينقل.
والحاصل انّ مراد الشيخ : انّ الفاعل عند الإلهيين اعمّ من الفاعل عند الطبيعيين ، لأنّ الإلهيين يعنون بالفاعل مفيد الوجود سواء كان وجود الحركة أو وجود غيرها ، وتقييد الوجود المفاد بالمبائن ليخرج الهيولى والموضوع من حيث أنّهما هيولى وموضوع. وأمّا عند الطبيعيين مخصوص بمبدإ التحريك. ولا يدلّ كلامه على أنّ مبدأ الحركة يجوز أن يكون فيه معنى ما بالقوّة ، بل هو مثل سائر الفاعلين من عدم جواز كونه ممّا له معنى ما بالقوّة ، فهو إمّا الواجب ـ تعالى ـ أو الجهة المستندة إليه ، الّتي ليس فيها شائبة العدم والقوّة.
والثانى : انّ ما ذكره من أنّ الحركة ليست أمرا بالفعل الوجود (١) حتّى يجب أن يكون فاعلها بريئا من معنى ما بالقوّة غير صحيح ، بل الحركة التوسطية أمر يتحقّق في كلّ آن فرض في اثناء الحركة بالفعل. نعم! يتوصّل به إلى كمال آخر هو الوصول إلى الغاية ، وهو بالقوّة. وإذا كان امرا بالفعل فلا يجوز أن يكون فاعله أمرا بالقوّة.
__________________
(١) كذا في النسختين.