ثمّ قال لبيان امكان الثاني وكونه بمنزلة الأوّل : انّ العلم بالأصلح هو المرجّح ، فالذات يقتضي احداث الحادث في آن الحدوث بواسطة الإرادة الّتي هي العلم بالأصلح ؛ انتهى ما ذكره بتوضيحه.
وقد ظهر من قوله : « انّ تخلّف العلّة عن المعلول بحيث لا يتخلّل زمان بين تحقّقهما جائز عند الحكماء » أيضا. ولا ريب انّه على القول بالحدوث الدهري / ٧٦DA / ـ على ما اخترناه ـ لا يلزم التخلّف بحسب الزمان. على أنّه لم يظهر من كلامه ما يندفع به لزوم التخلّف بحسب الزمان على الحكماء ، مع أنّ ما اورده عليهم من لزوم التخلّف في الحوادث هو تخلّف زماني. ووجه الدفع عنهم هو التمسّك بالحركة السرمدية ـ على / ٧٩MB / ما ذكره المحصّلون منهم ـ ، وقد عرفت أنّ التخلّف معه لازم وكثير (١) منهم يلتزمونه.
فان قيل : ما جوّزه الحكماء من التخلّف الّذي لا يتخلّل بين تحقّقهما زمان إنّما هو إذا كان زمان العلّة متّصلا بزمان المعلول ولا يتخلّل بينهما شيء أصلا ـ كما مرّ من تقدّم اجزاء الزمان والدورات بعضها على بعض ـ. لأنّهم قالوا : انّ القديم لا يمكن أن يصير علّة للحادث الزماني بذاته فقط ولا بانضمام ما هو شرط لوجود ذلك الحادث فقط ، بل لا بدّ هناك من علّة معدّة أيضا لتتميم علّة ذلك الحادث بما هو علّة له والمعدّة فيه ، فيبنى كونه متقدّما بحسب الزمان. فالعلّة التامّة للحادث انّما يجب وجودها بما هي علّة تامة له قبل زمان ذلك الحادث ، ولكن بحيث يتصل زمانها بزمانه. وبالجملة فالمجوّز من التخلّف عند الحكماء هو التخلّف مع اتصال الزمان وعدم الانفكاك اصلا ، وعلى القول بالحدوث الدهري لا بدّ من الانفكاك الواقعي ـ كما مرّ ـ.
قلنا : الظاهر انّ منشأ استحالة التخلّف هو تحقّق وقت مع وجود العلّة بدون المعلول ، وإذا لم يوجد وقت فلا يتأتّى التخلّف المستحيل ؛ كيف ولو كان تخلّف المعلول مع العلّة لازما مطلقا فكما يمتنع حينئذ الانفكاك ـ سواء كان مع تخلّل زمان أم لا ـ كذلك يمتنع تحقّق العلّة في آن وتحقّق المعلول في آن بعده؟! ، بل يجب حينئذ كون
__________________
(١) الاصل : ولكنهم.