فساده ، لانّه لا معنى لتقدّم الماهية الموجودة على افادة الوجود لها.
ولقد أطلنا الكلام في هذا المرام لانه من مزالّ الاقدام وقد بقى بعد خبايا في زوايا.
ولمّا ظهر حقيقة الجعل وثبت صحّته ، لزم منه صحّة التأثير والتأثّر وبطل منه مذهب ذيمقراطيس واتباعه. ومنه ثبت توقّف وجود الممكن على علّة خارجة وعدم امكان وجوده بنفسه ؛ هذا.
وامّا بطلان وجود الممكن بأولوية ذاتية فيتوقف على أن نعلم أوّلا أنّ للأولوية تفسيرين ، احدهما : أن يقتضي الممكن رجحان احد الطرفين لذاته اقتضاء لم يبلغ حدّ الوجوب ؛ وثانيهما : كون أحد طرفى الممكن أليق بالنسبة إلى ذاته لياقة غير بالغة حدّ الوجوب. ولا يكون ذلك الأليقية باقتضاء اصلا ، لا من حيثية الذاتية ولا من حيثية أخرى ، وللتفرقة يعبّر عن الأوّل « بالرجحان لذاته » وعن الثّاني « بالرجحان بذاته » ، على أن يكون « الباء » للمصاحبة. وعلى كلا التفسيرين يقع الطرف الراجح بمجرّد هذا الرجحان من غير احتياج إلى علّة خارجة. وبطلان الأولوية على التفسير الثّاني ـ أعني : كون الوجود راجحا بالنسبة إلى الممكن من دون اقتضاء واستتباع واستناد الرجحان إلى امر ـ بديهىّ لا يشكّ فيه عاقل ، لانّ ثبوت كلّ معنى لشيء لا بدّ له من علّة ـ سواء كانت ذات هذا الشيء أو غيرها ـ ، فثبوت الرجحان اذن لا بدّ له من علّة.
فان قيل : المقصود في هذا المقام اثبات افتقار الممكن في وجوده إلى علّة موجودة ، وحينئذ لقائل أن يقول : يمكن أن يكون ثبوت الوجود للممكن غير معلّل بعلّة لكن يكون ذلك الثبوت بحيث يجوز ارتفاعه جوازا مرجوحا حتّى لا يلزم وجوبه ، والمراد برجحان وجوده في الواقع من دون اقتضاء هو هذا المعنى ، ولا بدّ لنفيه من دليل! ؛
قلنا : الممكن لا يمكن أن يكون حقيقة عين الوجود ، فلا بدّ لثبوت الوجود له من علّة ، وهذا بديهيّ مستغن عن الدلالة.
ولما كان بطلان الأولوية بالتفسير الثاني بديهيا أو قريبا من البداهة أحاله