فاقوا على طوائف العباد أجمعين ، وتأيّدوا من عند الله تعالى بالمعجزات الباهرة والآيات القاهرة ـ قد اتوا بتناهي العالم من جانب البداية وحدوثه ودانوا به واصرّوا على ذلك وتشدّدوا في الانكار على منكريه ـ مع انّه لا يضرّهم القول بقدم العالم بوجه ـ يجزم بانّهم لم يأتوا به إلاّ عن يقين قطعيّ وصدق واقعى ، إذ القول بعدم ثبوت الحدوث بعد العدم من الأنبياء. ومنع تحقّق الاجماع مكابرة صرفة ومجادلة محضة ، كيف وجمّ / ٤١DB / غفير من مشاهير علماء الفريقين ادّعوا الاجماع عليه؟! ، والأخبار الدالّة عليه بلغت حدّ التواتر ؛ منها : الحديث المشهور الّذي تلقّته الأمّة بالقبول وهو قوله ـ صلىاللهعليهوآلهوسلم ـ : كان الله ولم يكن معه شيء (١).
فان قيل : المعية المنفية في هذا الخبر ليست هي المعية الزمانية ـ كما يأتي بيانه ـ ، ولا المعية الشرفية ، فبقى أن تكون هي الذاتية الّتي هي تأخّر الأشياء جميعا بمحض ذواتها عن ذات العلّة وافتقارها الذاتي إليها ؛
قلنا : لا ريب في أنّ المعية المنفية ليست زمانية ولا شرفية ، بل هي المعية الدهرية ، فالمراد : انّ الله ـ تعالى ـ كان موجودا في حاقّ الواقع ومتن الدهر ولم يكن معه العالم بمعنى انّ العدم المحض والليس الصرف كان سابقا عليه ـ كما يأتي بيانه مفصّلا ـ. فالمراد من الخبر نفي القدم الدهري من العالم وهو أن لا يسبقه عدم في متن الدهر بأن يكون ازلي الحصول في حاقّ الواقع ومتن نفس الأمر. وهذا المعنى هو الظاهر من الخبر والمتبادر عند اهل اللسان والمتعارف المألوف من عرف ارباب الشريعة.
وأمّا حمل المعية المنفية على المعية الذاتية والقول بأنّ المراد بيان مجرّد التقدّم الذاتي ـ كتقدّم اليد على المفتاح ـ ، فممّا لا يكاد يفهمه أهل اللسان وليس مألوفا من عرف صاحب الشرع ، ولا ينتقل إليه اذهان السامعين ولا يوافقه ألسنتهم ، مع انّ الله
__________________
(١) هذا الحديث ـ كما قال المصنّف ; ـ تلقّته الامّة بالقبول ، فيوجد في كثير من مصادر الفريقين. راجع : بحار الأنوار ، ج ٥٧ ، ص ٢٣٤ ؛ صحيح البخاري ، ج ٤ ، ص ١٢٩ ، ج ٩ ، ص ١٥٢ ؛ اتحاف السادة المتقين ، ج ٢ ، ص ١٠٥.