وجوبه. والوجوب في فعل الواجب يكون عند المليين إمّا بالداعى أو بذات الوقت ، فهما يكفيان لتصحيح الايجاب الخاصّ وتخصيص ايجاد الحادث بوقته لئلاّ يلزم قدم ولا تسلسل ، لأنّ الداعي القديم أو عدم وقت قبل وقت الحدوث اقتضى على سبيل الوجوب ايجاد الحادث في وقته المعين ، فهو كاف للترجيح ولا يفتقر إلى مرجّح آخر ؛ فمع حدوث الحادث بهذا المرجّح لا يلزم قدم ولا تسلسل. فلو استدل الأشعري بالحدوث وجعله وسطا لنفي الايجاب الخاصّ الّذي قال به المعتزلة فلنا أن نقول : الوسط في هذا الدليل يجمع مع الايجاب الخاصّ فلا يدلّ على نفيه ، وحينئذ فيمكن أن يمنع الشرطية القائلة بانّه لو كان حادثا لتوقّف المحال مستندا بانّه مع فرض الايجاب الخاصّ لا يتوقّف الحادث على شيء آخر ، بل يكفى الداعي أو ذات الوقت للتخصيص والترجيح. وحينئذ فيمكن أن يلتزم جواز التخلّف عن الموجب بهذا الايجاب. لانّه لا تخلّف حقيقة عن العلّة التامة حينئذ ، لأنّ العلّة التامة هي الواجب مع الداعي على نحو ما تعلّق. وأيضا لا يقتضي شيء من قواعد الأشاعرة لزوم التوقّف المذكور لفرض الايجاب بالاختيار ، إذ هما متنافيان ظاهرا ، إذ فرضه ـ أي : فرض الايجاب بالاختيار ـ في قوّة فرض عدم احتياج الحادث في التخصيص إلى حادث آخر ، فظهر انّ الدليل المذكور من قبل الأشاعرة على جواز الترجيح بلا مرجّح وعلى نفي الايجاب بالاختيار في ضمن الايجاب المطلق غير تامّ. ولذا لم يتعرّض أكثرهم في اثبات جواز الترجيح بلا مرجّح لهذا الدليل ولم يذكر في الكتب الكلامية دليل من قبلهم على هذا المطلب ، بل ادّعوا فيه الضرورة ونبّهوا عليه ببعض الأمثلة كرغيفي الجائع وطريقي الهارب. وقد ظهر أيضا انّ القول بجواز الترجيح بلا مرجّح يستلزم القول بنفي الايجاب الخاصّ المعتبر عند المعتزلة. وأمّا العكس فغير ثابت ، لأنّ الحكماء قائلون بنفي الخاصّ لقولهم بامتناع الانفكاك المنافي للقول بالايجاب الخاصّ الّذي يعتبر فيه نحو من الانفكاك.
وأمّا القول بامتناع الترجيح بلا مرجّح فلا يستلزم القول بثبوت الايجاب الخاصّ ، لما مرّ من مذهب الحكماء ؛ ولما ذهب إليه محمود الخوارزمي كما نقل عنه فخر الدّين