سلّم انّما هو لأمر خارج ولولاه لزم التناقص بين كلام الحكماء ، فانّهم مصرّحون باحتياج كلّ ممكن في البقاء إلى المؤثّر ، ولو امتنع العدم اللاحق على جميع الجواهر الممكنة لذاتها لم يحتج شيء منها إلى المؤثّر في البقاء ، فيلزم التناقض.
وثانيهما ـ أي : ثاني التقريرين للمقدمة (١) المذكورة ـ : أن لا يحمل لفظ « طريان العدم » بظاهره ، بل يراد به عدم الوجود من بدو الأمر. وتقريرها حينئذ : انّ جميع الممكنات إذا لم يتحقّق فيها واجب لذاته في حكم ممكن واحد في امكان عدمه بدلا عن وجوده ، وذلك لانّه وإن امتنع عدم كلّ واحد مع وجود علّته لكن عدمه مع عدم جميع علله الممكنة ممكن ، فيجوز عدم الجميع رأسا بان لا يصير شيء من سلسلة الممكنات موجودا ، لانّ جميع السلسلة الّتي لا يوجد فيها ما يجب وجوده ويمتنع عدمه لذاته سواء كانت متناهية أو غير متناهية بينها ترتّب العلية والمعلولية أم لا يجوز عدمها بأسرها ، لعدم استحالة ذلك ؛ لا بالنظر إلى ذات كلّ واحد منها لامكانها ، ولا بالنظر إلى عللها ، لأنّها أيضا ممكنة. وإذا جاز عليها العدم بهذا النحو ـ أي : العدم بالكلّية ـ بحيث لا يوجد شيء منها من بدو / ٢٠MB / الأمر فهي في حكم ممكن واحد في جواز طريان هذا النحو من العدم عليها. وجواز هذا النحو من العدم عليها بالنظر إلى ذاتها كاف في امكانها وكونها في حكم ممكن واحد ، ولا يلزم جواز جميع انحاء العدم للممكن ، فانّ بعض الممكنات ما يمتنع عليه بعض انحاء العدم ـ كما يقولون في العدم الطاري على وجود الزمان ـ. ومثله ما قالوا انّه يمتنع طريان الوجود بعد العدم اللاحق على الموجود. واذ ثبت كون جميع الممكنات الصرفة في حكم ممكن واحد فترجّح وجوده على عدمه لا بدّ له من علّة خارجة عنه واجبة لذاته ، وهو واجب الوجود لذاته وإله الكلّ وصانعه.
وعلى هذا التقرير لا يتوجّه النقض بالزمان أصلا ، وتصير المقدّمة بديهية غير محتاجة إلى البرهان. وانّما برهنا عليها لاشتباهها على جماعة نظرا إلى تحقّق نوع خفاء في تصوّر اطرافها. وقد نبّه عليها بعض الفضلاء بأنّ كلّ واحد من آحاد سلسلة
__________________
(١) الاصل : وثانيهما انّ ثانى المقدمتين التقريرين للمقدّمة.