ومنها : ما أورده بعض الأذكياء ، وهو يتوقّف على مقدّمتين واضحتين ، إحداهما : إنّ الممكن لا يكون إلاّ معلولا / ١٤DB / ـ وقد تبيّن ذلك من بعض المقدّمات السالفة ـ ،
وثانيتهما : انّ حاجة المعلول إلى العلّة انّما هي لأجل انّه معلول فقط ، ولا مدخلية في باقي صفاته وخصوصيّاته من كونه هذا وهذا في ذلك ، وهي بديهية واضحة في نفسها.
وبعد تمهيدهما نقول : لو انحصرت الموجودات في الممكنات لكانت بأسرها معلولات بحكم المقدّمة الأولى ، وإذ نقصنا وحذفنا عنها جميع الصفات واللوازم والخصوصيات الّتي لا دخل لها في كونها معلولات وموجودات من كونها هذه وهذه وكذا وكذا وبالجملة أسقطنا في الملاحظة العقلية كلّما هو لا دخل له في احتياجها إلى العلة وكونها معلولات وموجودات تبقى منها جميعا طبيعة الموجودة ، والمعلول بما هو موجود معلول فقط ، فيلزم أن يكون المعلول بما هو معلول موجودا من غير علّة ، لأنّ كلّما كان في هذه الجملة كان معلولا ونقصنا عنه جميع الخصوصيات الّتي لم تكن لها مدخلية في كونه معلولا (١) وفي احتياجه إلى علّة وأخذناه حتّى يحصل لنا موجود واحد هو معلول ولم يبق في هذه الجملة موجود آخر لا يكون معلولا فقط حتّى يجوز أن يكون علّة ؛ وليس خارج هذه الجملة أيضا موجود ممكن يجوز أن يكون علّة لها ـ لأنّ المفروض دخول كلّ الممكنات فيها ـ ، فيتحقّق لزوم كون المعلول بما هو معلول موجودا من غير علّة ، وهو باطل بحكم المقدّمة الثانية. لانّه إذا احتاج المعلول إلى العلّة في مجرّد كونه معلولا دون ساير الخصوصيات فكيف يتحقّق مجرّد المعلول من حيث هو معلول من دون شيء آخر ، ولا يتحقّق احتياجه إلى العلة ، فيجب أن يوجد خارج هذه الجملة موجود واجب لذاته حتّى تستند المعلولات إليه.
ومنها : انّه لو انحصرت الموجودات في الممكنات لزم الدور ، إذ تحقّق مجموع الموجودات من حيث هو مجموع يتوقّف على هذا التقدير على ايجاد ما ، لأنّ وجود الممكنات انّما يتحقّق بالايجاد لكونها في حكم ممكن واحد في الاحتياج إلى مؤثّر
__________________
(١) الاصل : ـ معلولا.