العلم والإرادة في الأزل عن ايجاد الفعل عنه. بل قد يجب بخلاف الأوّل ، إذ لا يمكن على ذلك التقدير انفكاك الفعل عن وجود الفاعل مع وجود الشرائط ، فلو حصل الانفكاك لتعلّق علم غيره بالحدوث في وقت معين لا قبله ، فيلزم التخلّف ؛ انتهى.
وردّ عليه بعض الأفاضل : بأنّ التفرقة تحكّم! ، لأنّه لا شكّ في أنّه إذا تعلّق علمنا بأصلحية شيء في وقت وقدرنا على فعله واستجمع ساير الشرائط فالتخلّف إنّما يحصل إذا لم يفعل ذلك الشيء في ذلك الوقت. وأمّا قبله فلو لم يحصل فيه فلا يلزم تخلّف ، لأنّ العلم تعلّق بأنّ فعله أصلح بعد ذلك ، ومعلوم بالضرورة أنّه سواء في هذا أن يكون الموجد لذلك الشيء ومن تعلّق علمه بالاصلح واحدا أو متعدّدا. فاذا كان الموجد لجميع الأشياء هو الواجب ـ تعالى ـ فلا محذور في تأخّره ايجاد شيء إلى الوقت الّذي تعلّق تأثيره بفعله فيه ، سواء أخّر ايجاد العالم الجسماني إلى وقت معين لتعلّق إرادة بعض المجرّدات بفعله فيه ، أو أخّر أفعالنا إلى وقت معيّن لتعلّق إرادتنا بفعلها فيه ؛ انتهى.
وغير خفيّ انّ بناء هذا الايراد على أنّ اصل الافاضة والتأثير في كلّ ممكن من الله ، إلاّ انّه على سبيل الايجاب ، وحدوث العالم الجسماني لا ينفيه للاحتمال المذكور ـ أي : توقّف الحدوث على سبيل الايجاب على علم غيره وارادته ـ ، لا على علمه ـ تعالى ـ وارادته ليثبت الاختيار ويرتفع الايجاب. وأمّا بناء الاعتراض السابق على أنّ أصل الافاضة والتأثير في العالم الجسماني ليس منه ـ تعالى ـ ، بل من ممكن مختار قديم صدر منه ـ تعالى ـ على سبيل الايجاب. فحدوثه لا يثبت اختياره ـ تعالى ـ ، بل انّما يثبت اختيار هذا الممكن الّذي حدث منه العالم.
وأنت تعلم انّ الاحتمال المذكور ـ أعني : توقّف حدوث العالم الجسماني من الواجب على سبيل الايجاب على علم غيره وارادته ـ ممّا يأباه العقول السلمية ولا يجوّزه القرائح المستقيمة ، لأنّ الفاعل الموجب عنه الفعل من غير شعور كيف يصير مجرّد شعور غيره باعثا لعدم فعله في وقت وفعله في وقت آخر؟! ؛ وأيّ مناسبة بينهما؟!.
فقد ظهر ممّا ذكر أنّ القول باستناد العالم الجسماني إلى ممكن مختار مع كون الواجب