المتوقّف عليه والعلّة وما هو المتوقّف عليه ، والعلّة يجب أن يكون مقدّما على المتوقّف والمعلول. فلو كان شيء متوقّفا على ما يتوقّف عليه ومعلولا لما هو معلول له لزم أن يكون متوقّفا على نفسه وعلّة لها ، وهو يوجب تقدّمه على نفسه ـ أي : كونه موجودا حين كونه معدوما ـ ؛ وهو باطل (١).
وأيضا معنى المحتاج من حيث هو محتاج غير معنى المحتاج إليه ومقابله ، فلو كان شيء متوقّفا على نفسه وعلّة لها من جهة واحدة لزم أن يكون غير نفسه ومقابلا له ، وبطلانه من أجلى البديهيات.
وأمّا « التسلسل » فهو أن يكون شيء معلولا لشيء آخر وهو معلولا لثالث وهو لرابع ... ، وهلمّ جرّا إلى غير النهاية.
ويدلّ على بطلانه وجوه من البراهين القاطعة.
منها : « برهان التطبيق (٢) ». وتقريره : انّه لو تسلسلت العلل إلى غير النهاية لكان كلّ واحد من آحاد السلسلة معلولا لسابقه وعلّة للاحقه ، إلاّ المعلول الأخير ، فانّه ليس علّة ، وهذه السلسلة وان كانت واحدة بالذات إلاّ أنّها تنحلّ في الواقع وعند العقل إلى سلسلتين إحداهما مركّبة من العلل والأخرى من المعلولات ، وعدد آحاد السلسلة الأخيرة أزيد من آحاد السلسلة الاولى بواحد هو المعلول الأخير ـ لأنّه معلول وليس علة ـ. ولنا أن نطبق بين السلسلتين بان نطبق الجزء الأوّل من إحداهما من الطرف المتناهي على الجزء الأوّل من الأخرى والجزء الثاني على الجزء الثاني وهكذا ؛ بل لا حاجة إلى فرض التطبيق ، إذ الجزء الأوّل من إحداهما بإزاء الجزء الأوّل من الأخرى والجزء الثاني بإزاء الجزء الثاني وهكذا في الواقع ونفس الأمر. فالانطباق حاصل عند العقل وبحسب الواقع وإن لم نفرض التطبيق ، فان لم تتناه السلسلتان من
__________________
(١) راجع : الحكمة المتعالية ، ج ٢ ، ص ١٤٢ ؛ شرح المقاصد ، ج ٢ ، ص ١١١.
(٢) هذا البرهان هو العمدة في اثبات ابطال التسلسل. قال القوشجى : ... وعليه التعويل في كلّ ما يدّعى تناهيه. راجع : الشرح الجديد ، ص ١٢٢ ؛ وبنفس العبارة : شرح المقاصد ، ج ٢ ، ص ١١٢. وقال صدر المتألّهين : ... وعليه التعويل في كل عدد ذي ترتيب موجود سواء كان من قبيل العلل والمعلولات أو من قبيل المقادير ... راجع : الحكمة المتعالية ، ج ٢ ، ص ١٤٥.