أحدهما : جواز وقوعه ولا وقوعه في كلّ وقت ؛ وثانيهما : تحقّق وقوعه في وقت ولا وقوعه في وقت آخر ، فيثبت الامكان الوقوعي للفعل وتركه بمعنى كون أحدهما في وقت والآخر في وقت آخر ، لا بمعنى كون كلّ منهما بدلا عن الآخر ؛ فتأمّل!.
ثمّ الظاهر انّ القول بصدور الفعل في الوقت الخاصّ على سبيل الوجوب إنّما هو من بعض المعتزلة ، لأنّ اكثر قدمائهم صرّحوا بأنّ الصدور في الوقت الخاصّ إنّما هو على سبيل الأولوية دون الوجوب. قال المحقّق الطوسي ـ رحمهالله ـ في شرح الاشارات : والقائلون بحدوث العالم افترقوا إلى ثلاث فرق : فرقة اعترفوا بتخصيص آن أوّل الايجاد بالحدوث لوجود علّة لذلك التخصيص غير الفاعل ، وهم جمهور قدماء المعتزلة من المتكلّمين ومن يجري مجراهم. وهؤلاء يقولون بتخصيصه على سبيل الاولوية دون الوجوب ، ويجعلون علّة التخصيص مصلحة تعود إلى العالم ؛
وفرقة قالوا بتخصيصه بذات الوقت على سبيل الوجوب ، وجعلوا حدوث العالم في غير ذلك الوقت ممتنعا ، لأنّه لا وقت قبل ذلك الوقت. وهو قول أبي القاسم البلخي المعروف بالكعبي ومن تبعه ؛
وفرقة لم يعترفوا بالتخصيص خوفا عن (١) التعليل ، بل ذهبوا إلى أنّ وجود العالم لا يتعلّق بوقت ولا بشيء آخر غير الفاعل وهو ( لا يُسْئَلُ عَمَّا يَفْعَلُ ) (٢). أو اعترفوا بالتخصيص وانكروا وجوب استناده إلى علّة غير الفاعل ، بل ذهبوا إلى أنّ للفاعل المختار أن يختار أحد مقدوريه على الآخر من غير تخصيص ، وهم أصحاب أبي الحسن الأشعري ومن يحذوا حذوه ، وغيرهم من المتكلّمين المتأخّرين (٣) ؛ انتهى.
ومذهب المحقّق الطوسى ـ رحمهالله ـ من المذاهب الثلاثة الّتي نقلها ـ على ما نسب إليه في المشهور ـ هو المذهب الأوّل ، إلاّ أنّه قال : انّ التخصيص بالوقت الخاصّ إنّما هو على سبيل الوجوب ؛ ويأتي ما فيه.
__________________
(١) الاصل : + العجز عن.
(٢) كريمة ٢٣ ، الأنبياء.
(٣) راجع : شرح الاشارات ـ المطبوع مع المحاكمات ـ ، ج ٣ ، ص ١٣١ ؛ شرحي الاشارات ، ج ١ ، ص ٢٣٨.