كأنّه تأويل لكلامهم وتعصّب من جانبهم! إذ أكثر ادلّتهم تجري في قدرة الله أيضا.
وقيل : النزاع ـ على ما يظهر من عبارة شارح المقاصد ـ في القدرة المتعلّقة ـ أي القدرة بوصف تعلّقها بالمقدور ـ ولا ريب أنّ تعلّق القدرة الأزلية حادث عند الأشعرية ، فيمكنهم تسليم حدوث قدرة الله ـ أي : حدوث تعلّقها ومنع محاليته ـ فعلى هذا يجري النزاع في قدرة الله ـ تعالى ـ أيضا ، ويكون حاصل النزاع : انّ القدرة بعد تعلّقها بالفعل ـ سواء كانت قدرة الله أو قدرة العبد ـ هل هي قبله أو معه؟.
وأنت خبير بأنّ المراد بالقدرة المتعلّقة إن كان ما هو ظاهر معناها ـ كما ذكرناه ـ فلا يعقل نسبة القول بكونها متقدّمة على الفعل إلى المعتزلة ؛ ولو كان المراد بها معنى آخر فانّها يظهر حقيقة الأمر بعد بيانه. ويأتي ـ إنشاء الله ـ في تحقيق المقام انّ النزاع ينبغي أن يكون في ما ذا؟.
ثمّ انّ للمعتزلة ادلّة ثلاثة :
اوّلها : انّ القدرة تنافي حقيقتها لكونها مع الفعل ، لأنّ القدرة يلزمها كونها محتاجا إليها الفعل ، وكونها مع الفعل يلزمه أن يستغني عنها ، لأنّ الفعل عند الحصول لا يحتاج إلى القدرة.
وأجيب عنه : بأنّ حصول الفعل لا ينافي احتياجه إلى القدرة الّتي هى علّة ، فانّ حصول المعلول لا ينافي احتياجه إلى علّته.
وما يتوهّم من أنّه يلزم حينئذ تحصيل الحاصل واحداث الحادث وايجاد الموجود ؛ فجوابه : انّ المحال تحصيل الحاصل بتحصيل آخر لا بذلك التحصيل ، واحداث الحادث باحداث آخر لا بذلك الاحداث ، وايجاد الموجود بايجاد آخر لا بذلك الايجاد ـ وسيأتي توضيح ذلك ـ.
وقيل في الجواب : انّ عدم احتياج الفعل بعد حصوله إلى القدرة ينافي ما ثبت من حاجة المعلول حال البقاء أيضا إلى علّة الوجود. وكونها مثل استعداد القائل أوّل المسألة!. وجعل الدليل مبنيا على قول من قال بعدم الحاجة بعد الحدوث مع بعده لا يفيد ، إذ النزاع في حال الوجود مطلقا ؛ انتهى.