فان قيل : لعلّ من الممكنات ما لا يمكن صدوره بطريق الاختيار والقدرة ، بل لزم صدوره بطريق الايجاب ؛
قلنا : لمّا ثبت انتهاء سلسلة الاحتياج ووجود كلّ موجود إليه ـ تعالى ـ وثبت أيضا انّ كلّما يصدر عنه ـ تعالى ـ فانّما يصدر عنه بطريق القدرة فثبت انّ كلّما صدر عنه بواسطة أو بدونها فانّما يصدر عنه بالقدرة والاختيار ، وكان عدم صدوره ممكنا عنه بالنظر إلى ذاته ؛ وجميع ما لم يصدر عنه فلم يصدر عنه أيضا بالقدرة والاختيار وإن كان صدوره ممكنا / ٩٠DA / بالنظر إلى ذاته. ووجوب الصدور في الأوّل ووجوب عدمه في الثاني انّما هو لأجل المصالح الراجعة إلى نظام الخير.
فان قيل : الافعال الصادرة عن الطبائع بالايجاب ـ كالاحراق للنار ـ كيف يمكن أن يصدر عنه ـ تعالى ـ بالقدرة والاختيار؟! ؛
قلت : لمّا كان أصل الطبائع صادرا عنه ـ تعالى ـ فما صدر عنه ممكن الصدور عنه ـ تعالى ـ ، لأنّ الصادر عن الصادر عن الشيء ممكن الصدور عن ذلك الشيء. وإذا كان ممكن الصدور عنه فيكون مقدورا له ـ تعالى ـ بالنظر إلى ذاته وان وجب صدوره الفعلي الوقوعي بطريق الايجاب عن الطبائع بالنظر إلى الأمور الخارجة من المصالح الراجعة إلى أحسن النظام.
فان قيل : يجوز أن تكون مهيات بعض الممكنات مانعة من تعلّق القدرة بها وان لم يمتنع ذلك بالنظر إلى ذات الواجب ، فانّ اثبات عموم قدرته بالنسبة إلى جميع الممكنات الموجودة والمعدومة يتوقّف على استواء نسبة ذاته ـ تعالى ـ إلى الجميع. وهذا على ما ذهب إليه الأشاعرة ـ : من أنّ المعدوم ليس بشيء وانّما هو نفى محض لا امتياز فيه اصلا ولا تخصّص فيه قطعا ، ومن أنّ المعدوم لا مادّة له ولا صورة ـ صحيح ، لانّه لا يتصوّر اختلاف في نسبة الذات إلى المعدومات الّتي لا تمايز فيه اصلا بوجه من الوجوه. وأمّا على ما ذهب إليه المعتزلة من أنّ المعدومات متميّزة أو على ما ذهب إليه الحكماء من أنّ للمعدوم مادّة فلا يمتنع اختصاص البعض بمقدوريته ـ تعالى ـ دون بعض. فعلى قاعدة الاعتزال جاز أن تكون خصوصية بعض المعدومات